فرهاد علاء الدين
مستشار العلاقات الخارجية لرئيس مجلس الوزراء العراقي
TT

العراق لا يمكن أن يكون تابعاً ولا ساحة صراع

استمع إلى المقالة

في الوقت الذي تتنازع فيه القوى الإقليمية والدولية على توسيع رقعةِ نفوذها في الشرق الأوسط وسط دوي طبول حرب وشيكة ما زالت تقرع هنا وهناك على مدار الساعة، كان لي حديث مع سفير إحدى الدول الأوروبية في بغداد حول إعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق، فسألني ما هو الهدف النهائي للعراق؟

رغم بساطة السؤال فإنَّ جوابَه مهمٌ ويستحق التوضيح، سواء للسفير أو للمجتمع الدولي والرأي العام الداخلي، حيث ما زال العراقي هو الآخر يبحث عن إجابة.

إنَّ الهدف قد يكون واضحاً وبسيطاً، لكن منسوب التوتر المتصاعد من قبل هذا الطرف أو ذاك هو الذي يقف خلف تعقيد المشهد، فالعراق بلا شك دولة تسعى إلى النأي بنفسها عن التورط في حرب مفروضة من طرف آخر تهدّد بلا شك مستقبلَها ومستقبلَ أجيالها وتقوّض سلامَها واستقرارها، دولة تحرص على الاهتمام بمواطنها الذي أنهكته تلك الحروب لتوفر له الأمان وترفع مستوى الخدمات الأساسية، وتعيد تطوير البنى التحتية وتستثمر مواردها البشرية والطبيعية لبناء مستقبل واعد للشعب. ولتحقيق ذلك كله، لا بدَّ أن يخرجَ العراق من دائرة الصراع الإقليمي والدولي وينهي الوجود العسكري الذي تأسس لمحاربة «داعش»، إذ يرى رئيس الوزراء أنَّ «(داعش) لا يمثل اليوم تهديداً للدولة العراقية».

العراق وعلى مدى الأربعين عاماً الماضية عاش سلسلة حروب مدمرة، أولاها الحرب العراقية الإيرانية مروراً بحربي الخليج وإسقاط النظام، آخرها حرب تنظيم «داعش». خلَّفت هذه الحروب دماراً وخراباً ومآسيَ وويلاتٍ حوَّلت العراقَ من أقوى إلى أضعف دولة في المنطقة، وتبدَّدت ثرواته المالية وأصبح مديناً بمئات المليارات لمختلف دول المنطقة والعالم، وانهارت بناه التحتية وقدراته العسكرية والصناعية والزراعية، حتى طال الفقر أكثرَ من ربع سكانه، وتفشت البطالة وتهاوت قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأساسية، والأهم من كل ذلك، خسائره البشرية من شباب وفتية وأطفال ونساء بأرقام مفزعة.

على رغم تلك التركة الثقيلة، وضعت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني على عاتقها مسؤولية إعادة بناء الدولة وفق برنامج طموح، إلا أنَّها وجدت نفسها في ساحة صراع إقليمي ودولي من دون اكتراث الجهات المتصارعة لمصلحة العراق وصب اهتماماتهم بالمصالح الذاتية، دون مراعاة التحديات التي تواجهها الدولة العراقية. وتعقد المشهد أكثر بعد أحداث غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

إنَّ الحكومة عازمة على تحقيق أهدافها، ولا يمكن عمل ذلك إذا بقي العراق ساحةً للصراعات وسط وضع أمني وعسكري قلق ومتوتر ينذر بحرب أكبر وأوسع ممَّا نشهده حالياً. إنَّ إيقاف رحى هذه الحرب يحتاج إلى تحرك على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه:

أولاً: تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية مع الدول المنضوية تحت لواء التحالف الدولي بشكل يخدم العراق، ويتناسب مع احتياجات الدولة العراقية، وبما يخدم المصالح المشتركة مع تلك الدول، وهذا ما أشار إليه بيان لقاء رئيس مجلس الوزراء مع الأمين العام لحلف «الناتو» في دافوس إذ جاء فيه «أن العراق لا يمانع في التعاون مع دول التحالف الدولي بمجال التسليح والتدريب والتجهيز، في إطار العلاقات الثنائية التي تجمع العراق وبلدان هذا التحالف».

ثانياً: إبعاد العراق عن ساحة الصراع، فالعراق لا يريد أن يكونَ طرفاً في الصراعات الإقليمية، وإنما يريد أن يبقى على مسافة واحدة مع الدول كافة، في مقدمتها المنخرطة في هذا الصراع. فالعراق يعد كلاً من إيران والولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً له، ولا يمكن أن يكونَ طرفاً فيما يدور بينهما على مستوى المنطقة برمتها. ويتجلَّى هذا الصراع في سوريا، إذ إنَّ إيران بحاجة إلى جسر جوي وبري للوصول إلى سوريا، فيما تحتاج الولايات المتحدة إلى استخدام الأراضي العراقية لدعم وجود قواتها في سوريا. إلا أنَّ كلاً منهما يمكنه إيجاد طرق بديلة لخدمة مصالحه وخططه، سواء في سوريا أو غيرها من بؤر الصراع المحتدم من دون توريط العراق في الصراع الدائر حالياً.

ثالثاً: تقوية الوجود العراقي على الساحة الإقليمية والدولية، فالعراق لا يمكن أن يكون تابعاً لأحد ولا ساحة خلفية لأي طرف. لدى العراق مقومات كثيرة تساعده ليلعب دوراً محورياً في السياسة والدبلوماسية العالمية، فالعراق دولة مهمة في سوق الطاقة الدولية، لديه موقع استراتيجي في الشرق الأوسط والدولة العربية الوحيدة التي لديها علاقات متميزة مع جميع دول الجوار والدول العظمى بشقيها الشرقي والغربي، كما أنَّها دولة ذات أهمية خاصة في محاربة الإرهاب.

رابعاً: تنمية المصالح المشتركة بين دول المنطقة والمجتمع الدولي، فالعراق يريد إعادة بناء الدولة وبناها التحتية ولديه ما يحتاجه من ثروات وإمكانيات مادية لعرض المشاريع الاستراتيجية التي تستفيد منها هذه الدول لتشغيل شركاتها واقتصادها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

خامساً: القوات العراقية هي الأكثر خبرة ودراية بمحاربة الإرهاب، في طليعته تنظيم «داعش»، فهذه القوات قاتلت أخطر وأشرس التنظيمات الإرهابية، وخاضت حرب شوارع شرسة وسطرت انتصارات مذهلة عبر بسالة وشجاعة قل نظيرهما. وبإمكان المجتمع الدولي الاستفادة من الخبرة العراقية في محاربة أعتى المنظمات والخلايا الإرهابية.

إنَّ إنهاء حالة الحرب أولوية للدولة العراقية وبالعودة إلى سؤال السفير، فالعراق يريد أن يحقق لشعبه وبكل الوسائل الممكنة الاستقرار والازدهار، ولدى العراق كل المقومات المطلوبة من ثروات طبيعية وبشرية وموقع جغرافي استراتيجي.

لقد ذاق الشعب الأمرين ممَّا مرَّ عليه من ويلات وآلام لعقود من الزمن، وحان الوقت الذي ينبغي فيه أن يعيش بسلام، والذي بات وشيكاً في ظل البرنامج الحكومي المعلن، فضلاً على كون إصرار رئيس الوزراء وتمسكه بإنجاز ما جاء في برنامج حكومته بات يمثل غاية طموحات العراقيين وتطلعاتهم المشروعة. وعلينا أن نتذكَّر على الدوام أن الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة في غالب الأحيان، وهذه الفرصة هي الأهم للشركاء من الدول الصديقة والشقيقة وعليهم أن يتذكروا بأنَّ استقرار العراق وازدهاره هما مفتاح استقرار المنطقة السياسي والأمني وازدهارها الاقتصادي.

* مستشار العلاقات الخارجية

لرئيس مجلس الوزراء العراقي