د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

قمة التعاون وتنمية الشراكة

استمع إلى المقالة

اجتمعت القمة الأولى من نوعها، بين دول مجلس التعاون الخليجي، و«رابطة دول جنوب شرقي آسيا» (آسيان). ويأتي انعقاد القمة في ظل ازدياد الاهتمام والتنافس الإقليميين والدوليين من قبل القوى العظمى على منطقة جنوب شرقي آسيا، نظراً إلى موقعها وأهميتها الجيوستراتيجية. وقد أثمرت القمة عن رفع مستوى التعاون والتنسيق المشترك في مختلف المجالات بين الجانبين إلى المستوى الاستراتيجي، واستكشاف الفرص الجديدة؛ إذ نوقشت سبل تعزيز العلاقات، وتوسيع التعاون، ليشمل مجالات جديدة وناشئة، مثل: الاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الرقمي.

ووفقاً لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، وبيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2022، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة «آسيان» -وهي: إندونيسيا (1.3 تريليون)، وماليزيا (406.3 مليار)، والفلبين (404.2 مليار)، وسنغافورة (466.8 مليار)، وتايلاند (495.3 مليار)، وبروناي (16.7 مليار)، وفيتنام (408.8 مليار)، ولاوس (18.8 مليار)، وميانمار (59.3 مليار)، وكمبوديا (29.9 مليار)- 3.6 تريليون دولار، في عام 2022، ما يجعلها ثالت أكبر اقتصاد في آسيا، وخامس أكبر اقتصاد في العالم.

ويبلغ عدد سكان الدول الأعضاء في رابطة «آسيان» نحو 700 مليون نسمة؛ أي ما يعادل 8.8 في المائة من سكان العالم، وعند إضافة الناتج المحلي الإجمالي إلى دول الخليج العربي البالغ 2.49 تريليون دولار عام 2022، يصبح حجم التكتل بين «آسيان» والخليج العربي تقريباً 6.09 تريليون دولار، وهو يمثل تجمعاً اقتصادياً كبيراً.

وتُوّجت القمة بإطلاق خطة عمل مشتركة للفترة (2024- 2028)؛ إذ حُددت التدابير وأنشطة التعاون التي ستنفذ بين الجانبين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما يعود بالمنفعة المتبادلة.

وتأتي خطة العمل المشتركة، لترسم خريطة طريق واضحة نحو تعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأن الدول ستستمر في كونها مصدراً آمناً موثوقاً للطاقة بمختلف مصادرها، وفي الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتسعى بخطوات متسارعة لتحقيق متطلبات الاستدامة لتطوير تقنيات طاقة نظيفة ومنخفضة الكربون، وسلاسل إمداد البتروكيماويات، لتحقيق أقصى استفادة مشتركة من الموارد اللوجيستية والبنى التحتية، وتعزيز التعاون في المجالات السياحية والأنشطة الثقافية، وإقامة شراكات متنوعة بين قطاع الأعمال، بما يحقق مستهدفات الرؤى الطموحة لمستقبل أفضل يسوده الازدهار والنماء والتقدم.

إن العلاقات التجارية بين دول المجموعتين تزداد تطوراً ونمواً؛ إذ بلغ حجم التجارة مع دول «آسيان» 8 في المائة من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي العربي عالمياً، بقيمة وصلت إلى 137 مليار دولار. وتشكل صادرات دول مجلس التعاون إلى دول «آسيان» 9 في المائة من مجمل صادراتها، وبلغ حجم الواردات من دول «آسيان» ما نسبته 6 في المائة من مجمل واردات دول مجلس التعاون، وخلال العشرين عاماً الماضية مثّلت استثمارات دول مجلس التعاون في دول «آسيان» ما نسبته 4 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى دول «آسيان» بقيمة تصل إلى 75 مليار دولار، وشكلت استثمارات دول «آسيان» في دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 3.4 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول مجلس التعاون بقيمة 24.8 مليار دولار.

ومن الجدير بالإشارة، العمل على تعظيم الإمكانات للاستفادة الاقتصادية من خلال الاستثمار في التجارة المتوازنة والمنفتحة والعادلة. ويشمل ذلك إنشاء الإطار الاقتصادي لـ«آسيان» ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال شهادات «حلال»، وتطوير السياحة الحلال، وتطوير القطاع الغذائي والأمن الغذائي وأمن سلاسل إمداد الغذاء، كما يجب أن يتم ضمانها كذلك في مجال الغذاء وتقنيات الغذاء، وكذلك المواءمة فيما يتعلق بمعايير السلع الغذائية، وكذلك المرونة في قطاع الطاقة، فيجب تعزيزها من خلال الشراكات المفيدة والمستدامة، من أجل تسريع الانتقالات في مجال الطاقة.

إن العلاقات الوثيقة مع الدول الأعضاء في المعاهدة ستُسهم في تحقيق تطلعات الدول كلها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز العمل المشترك، وخلق فرصة تنموية واقتصادية جديدة للجميع؛ إذ استُعرض خلالها أوجه العلاقات الثنائية بين المجموعتين، وآفاق التعاون المشترك، وفرص تطويره في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة تجاهها، وفي ظل ما تمتلكه دول المجموعتين من موارد بشرية وفرص تجارية ومشاريع استثمارية واعدة، تعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستفادة من الفرص المتاحة، وفتح آفاق جديدة للتعاون في جميع المجالات، والتنسيق والتعاون في المحافل الدولية، والحرص على تعزيز العمل المشترك لتحقيق الأهداف.

وفي الختام، فإن القمة في غاية الأهمية، من حيث التوقيت والأهداف؛ فهي تنعقد في وقت يمر العالم فيه بتغييرات جيوسياسية مهمة، وعلى المستويات كافة، ما يستدعي تكثيف الخيارات ونسج العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والكتل السياسية والاقتصادية الأخرى، ومن ضمنها تكتل مجموعة «آسيان»، ما يعزز سبل الشراكة، ويفتح سبل الاستثمار بين الطرفين، وينعكس على استقرار الاقتصاد العالمي، وتحقيق التعاون وتنمية الشراكة.