فرض الاحتلال منذ سيطرته على الأراضي الفلسطينية عام 1967، نظام الاتحاد الجمركي أحادي الجانب على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أدى إلى إخضاع الاقتصاد الفلسطيني وتوجيهه لخدمة أهداف السياسات الاقتصادية والتجارية لدولة الاحتلال؛ إذ كانت العلاقة الاقتصادية بين الاقتصاد الفلسطيني واقتصاد دولة الاحتلال غير متكافئة نتيجة القوة العسكرية والسياسية والأمنية التي مارسها الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني.
وقد بلغ عدد الفلسطينيين في العالم بنهاية عام 2021 نحو 14 مليون فلسطيني، بواقع 5.3 مليون في دولة فلسطين يمثلون 37.8 بالمائة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم، منهم 3.2 مليون نسمة في الضفة الغربية (59.6 في المائة)، و2.1 مليون في قطاع غزة (40.4 في المائة).
ومن جانب آخر، بلغ عدد الفلسطينيين في أراضي عام 1948 نحو 1.7 مليون فلسطيني بنسبة 12.0 بالمائة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم. كذلك بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية 6.3 مليون بنسبة 44.9 بالمائة، في حين بلغ عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية نحو 749 ألف نسمة بما نسبته 5.3 بالمائة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم. وكان من المتوقع أن يتساوى عدد السكان الفلسطينيين مع سكان دولة الاحتلال مع نهاية عام 2022، حيث يصبح عدد كل منهما نحو 7.1 مليون نسمة، بموجب التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023.
وفي ظل النزاع الذي اندلع في الأراضي الفلسطينية، أصدر البنك الدولي تقريراً بشأن أسواق السلع الأولية؛ إذ بيّن فيه أن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، بجانب الاضطرابات التي أحدثتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد يدفعان أسواق السلع الأولية العالمية صوب وضع مجهول.
وبموجب التصور الأساسي للبنك، من المتوقع أن تبلغ أسعار النفط في المتوسط 90 دولاراً للبرميل قبل أن تنخفض إلى 81 دولاراً للبرميل في العام المقبل مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وتصاعد النزاع في غزة والمنطقة العربية والعالم.
وتوقع البنك أيضاً انخفاض أسعار السلع الأولية بوجه عام 4.1 بالمائة في العام المقبل، ومن المتوقع أيضاً انخفاض أسعار المعادن الأولية 5 بالمائة في 2024، في حين من المتوقع استقرار أسعار السلع الأولية بوجه عام في 2024، إذ إن تأثيرات الصراع على أسواق السلع الأولية العالمية محدودة حتى الآن؛ إذ ارتفعت أسعار النفط بوجه عام نحو 6 بالمائة منذ اندلاع الصراع، في حين لم تتحرك أسعار السلع الزراعية الأولية.
وتمثل نسبة احتياطي النفط المؤكد للدول العربية إلى الاحتياطي العالمي 52.2 بالمائة، ونسبة إنتاج النفط الخام العربي إلى الإنتاج العالمي 27.4 بالمائة. وهذه المؤشرات تمثل أهمية كبيرة للنفط في اقتصادات الدول العربية وأثرها في العالم. وفي الصراع العربي الإسرائيلي، ووفق تصور البنك الدولي، يفترض حدوث اضطراب محدود، فإن إمدادات النفط العالمية ستنخفض بما يتراوح بين 500 ألف إلى مليوني برميل يومياً. وبموجب ذلك التصور، فإن سعر النفط سيرتفع في البداية بين 3 و13 بالمائة مقارنة مع متوسطه في الربع الحالي إلى نطاق بين 93 و102 دولار للبرميل.
أما في التصور الذي يفترض حدوث اضطراب متوسط، ما يعادل التأثير الحادث خلال حرب العراق في 2003، فإن إمدادات النفط العالمية ستتقلص بما يتراوح بين 3 و5 ملايين برميل يومياً، ومن شأن ذلك دفع أسعار الخام للارتفاع 21 إلى 35 بالمائة بشكل أولي إلى ما يتراوح بين 109 و121 دولاراً للبرميل.
وفي تصوره الثالث الذي يفترض حدوث اضطراب كبير مماثل لحظر النفط العربي خلال 1973، فإن إمدادات الخام العالمية ستتراجع بما يتراوح بين 6 و8 ملايين برميل يومياً، ما سيقود الأسعار للارتفاع 56 إلى 75 بالمائة لتسجل الأسعار ما يتراوح بين 140 و157 دولاراً للبرميل. وهذه السيناريوهات مهمة ومؤثرة، وعلى الرغم من أنها تقديرية، فإنها تعطي مؤشرات أولية مهمة في خضم الصراع العربي الإسرائيلي.
وفي ما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي 18 مليار دولار على الرغم من تراجع الدعم الخارجي للموازنة، والعدوان على الأراضي الفلسطينية، واستمرار اقتطاع سلطات الاحتلال جزءاً من عائدات المقاصة؛ إذ سجل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3450 دولاراً مقارنة مع قطر 62561 دولاراً الأعلى و558 دولاراً في اليمن الأدنى، إذ اتسم الاقتصاد الفلسطيني بضعف الإنتاجية، والتفتُت الجغرافي وتشتُت الأسواق، والقيود على استيراد المدخلات والتقنية، وفقدان الأراضي والمياه والموارد الطبيعية لصالح المستوطنات، واستنزاف الاقتصاد الفلسطيني بسبب الحصار والعدوان المستمر، إذ لا تزال سلطات الاحتلال تسيطر على عوامل الإنتاج الرئيسية في الاقتصاد الفلسطيني.
وفي الختام، من الضرورة إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع دولة الاحتلال باتفاقية مختلفة متوازنة تقوم على حرية التجارة، وتضمن التوازن معها والانفتاح على العالم، ومن ثم تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يدعم القطاعات الإنتاجية، ويشجع الاستثمار في القطاعات الحيوية، ويؤسس لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال دعم المنتج الوطني والقطاعات الإنتاجية الفلسطينية المختلفة، والعمل على تنمية التبادل التجاري بين دولة فلسطين والدول العربيّة، والاستفادة قدر الإمكان من مزايا منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وما توفره من فرص واعدة للاقتصاد الفلسطيني، والعمل على جذب وتشجيع عودة رأس المال الفلسطيني المستثمر في الخارج، وهذا يتطلب فتح الطريق أمام تنمية فلسطينية مستدامة واقتصاد وطني فلسطيني قادر على النمو والتطور وفق شروط وطنية، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بموجب مبادرة السلام العربية 2002.