في خطابه إلى الشعب الأميركي حول الأزمتين الدوليتين، أو الحربين، اللتين تواجههما إدارته في أوروبا والشرق الأوسط، وصف الرئيس الأميركي جوزيف بايدن هذه اللحظة بالتاريخية، حيث قال إن «القرارات التي نتخذها اليوم سوف تحدد المستقبل لعقود مقبلة». في هذه «اللحظة التاريخية»، أشاد الرئيس الأميركي بما تمثله الولايات المتحدة قائلاً إن «قيادة أميركا تجمع العالم معاً». إن هذه القيادة اليوم على المحك لأنها سوف تحدد مسار السلم والحرب ليس في أوروبا والشرق الأوسط فقط، بل حول العالم.
الرئيس الأميركي وضع الحربين الدائرتين في إطار الدفاع عن الديمقراطية؛ لأنه وكما قال إن «(حماس) وبوتين يشكلان خطرين مختلفين، ولكنهما يشتركان في سعيهما لتصفية ديمقراطية مجاورة». وفي سعيه لكسب دعم الشعب الأميركي لسياسته في هاتين الأزمتين شرح لماذا يشكل نجاح إسرائيل وأوكرانيا مصلحة حيوية أميركية، قال: «لقد علّمنا التاريخ أنه عندما لا يدفع الإرهابيون ثمناً لإرهابهم، وعندما لا يدفع الديكتاتوريون ثمناً لعدوانهم، فإنهم يتسببون بالمزيد من الفوضى والموت والدمار». وبدا الرئيس الأميركي مدركاً أهمية هذه اللحظة عندما قال إن حلفاء أميركا «والأهم خصومنا، يراقبون ردنا في أوكرانيا فإذا تخلّينا عن أوكرانيا وسمحنا لبوتين بمحو استقلال أوكرانيا، فإن هذا يقوي المعتدين حول العالم للقيام بالمثل، وينتشر خطر النزاع والفوضى في أجزاء أخرى من العالم، من المحيط الهندو - باسفيكي (الهادي) إلى الشرق الأوسط، خصوصاً الشرق الأوسط».
وحاول الرئيس بايدن أن يوازي بين دعمه لإسرائيل والفلسطينيين عبر إعادة التأكيد على الموقف الأميركي تجاه الفلسطينيين حينما ذكر أنه اتصل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، «وكررت أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحق الشعب الفلسطيني بالكرامة وحق تقرير المصير»، مؤكداً «أننا لا نستطيع أن نتخلى عن السلام، لن نستطيع أن نتخلى عن حل الدولتين». وقال إن أميركا وحلفاءها في المنطقة يعملون لبناء مستقبل أفضل للشرق الأوسط وذكر هنا مشروع خط السكة الحديدي لربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.
وأعلن أنه سيرسل إلى الكونغرس طلب موازنة عاجلاً لدعم الحاجات الأمنية «لحلفائنا» في إسرائيل وأوكرانيا، قائلاً إن الصفقة لإسرائيل «هي التزام غير مسبوق» بأمن إسرائيل، «وسوف تقوي التفوق العسكري النوعي لإسرائيل».
وبينما ذكرت الصحف الأميركية أن الإدارة تطلب 100 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار مساعدات لإسرائيل، وضعت الصحف الإسرائيلية هذا المبلغ بحدود 14 مليار دولار. وكان الرئيس بايدن قد أعلن منذ أيام النية بإرسال 100 مليون دولار مساعدات إنسانية لغزة. وأكد الرئيس في خطابه للشعب الأميركي أنه ضمن خلال مكالمة مع قيادتي إسرائيل ومصر «اتفقا على وصول شحنات من المساعدات الإنسانية إلى غزة من الأمم المتحدة».
ومع ارتفاع الأصوات في الولايات المتحدة والعالم مستنكرة التهديد والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة وداعية إلى تحييد المدنيين، بدا الرئيس بايدن يأخذ بها عندما أكد أنه بحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «الحاجة الماسة للعمل ضمن قوانين الحرب».
تأتي هذه التوصية لنتنياهو إلى جانب تقارير كثيرة تقول إن الرئيس بايدن نصح الإسرائيليين بعدم احتلال غزة، وبإيجاد بدائل للهجوم البري على غزة التي من المتوقع أن يكون دامياً ومكلفاً للطرفين، ويقال إنه نصحهم بعدم ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبتها أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول).
وكانت ردود الفعل سريعة على خطاب الرئيس، خصوصاً من المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني لمساعدة فلسطينيي غزة. الرئيس التنفيذي لمنظمة «أمنستي إنترناشونال» في الولايات المتحدة بول أوبراين قال إن 20 شاحنة من المساعدات الإنسانية لمليوني شخص لا تكفي، وأنه من العاجل للرئيس بايدن أن «يطلب من الحكومة الإسرائيلية وقف قتل المدنيين، وحمايتهم كأولوية ورفع الحصار فوراً؛ حتى لا يتعرض أهل غزة للعقاب الجماعي».
لكن التحدي الذي يواجهه الرئيس الأميركي يتعلق بالصورة الأبعد حتى من غزة. كيف الخروج من هاتين الأزمتين بحلول ونتائج إيجابية لجهة التوصل إلى مخارج سلمية تحافظ على الأمن والسلم الدوليين وفي الوقت نفسه تحفظ الدور القيادي الجامع الذي تحدث عنه الرئيس؟ في أوكرانيا كما الحرب في الشرق الأوسط، كان الرد الأميركي بتعزيز القدرات العسكرية للحليفين، ولكن يبدو أن غالبية الأميركيين متخوفون من توسع الحرب في الشرق الأوسط (85%) ولا يحبذون توجّه الرئيس الحالي، حيث 56% لا يوافقون على سياسته في التعامل مع الأزمة. وعندما سئل الذين شاركوا في الاستفتاء عن ماذا يجب أن تفعله الولايات المتحدة الآن قال 76% إنه يجب إرسال مساعدات لإسرائيل، واللافت أن 72% حبذوا العمل دبلوماسياً مع دول في المنطقة لحل النزاع. وجاء إرسال السلاح لإسرائيل (48%) في مرتبة أدنى من إرسال المساعدات للفلسطينيين في غزة (57%).
ونشرت تقارير عن «تململ» في وزارة الخارجية الأميركية من السياسة المتبعة تجاه النزاع، إلى جانب الدبلوماسي الأميركي جوش بول الذي قالت الصحف الأميركية إنه استقال من وزارة الخارجية؛ احتجاجاً على السياسة الأميركية المتبعة قائلاً إن «الدعم الأعمى لطرف واحد مدمر لمصالح الشعبين على المدى الطويل». ونشرت تغريدات من صحافيين تقول إن مسؤولين آخرين في وزارة الخارجية «يحضرون رسالة اعتراض على سياسة الرئيس بايدن تجاه إسرائيل والفلسطينيين». كما نشرت صحيفة «الهافينغتون بوست» رسالة قالت إنها وقعت من قِبل أكثر من 400 موظف في الكونغرس يحثون فيها الكونغرس على «دعم وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و(حماس)». هذا في الوقت الذي ترتفع فيه التهديدات للمسلمين والمعاداة للسامية في أميركا.
في خضم هذه البيئة السياسية والجو الدولي المتأزم، تعمل واشنطن في ظل فراغ في أعلى منصب في الكونغرس، حيث تمنع الخلافات السياسية من انتخاب رئيس لمجلس النواب الأميركي. فقد فشل الكونغرس للمرة الثالثة حتى كتابة هذا المقال في انتخاب رئيس. إن عدم وجود رئيس يؤخر موافقة الكونغرس على طلب الإدارة للمساعدات لإسرائيل وأوكرانيا، ويضعف من قدرة الرئيس على الوفاء بالتزاماته. ولكن يزداد الحديث هنا عن نفوذ الرئيس بايدن «الهادئ» وخلف الأبواب على نتنياهو وتأثيره على مجرى الأحداث وخطط إسرائيل لحرب برية في غزة؛ خوفاً من اشتعال المنطقة. «بلومبرغ» قالت مثلاً إن نفوذه حوّل خطط الحرب الأرضية إلى شيء مختلف. إن الأيام المقبلة ستظهر مدى قدرة هذا النفوذ، وما إذا كان الرئيس الأميركي قادراً على «جمع العالم معاً» لإبعاد الشرق الأوسط، خصوصاً الإسرائيليين والفلسطينيين عن حافة حرب مدمرة للجميع.