د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

الابتكار الطريق للتنمية

استمع إلى المقالة

صدر مؤشر الابتكار عن تقرير التنافسية العالمي لعام 2023، وتصدرته سويسرا، ثم السويد وأميركا والمملكة المتحدة وسنغافورة وفنلندا وهولندا وألمانيا والدنمارك وكوريا الجنوبية، في المراكز العشرة الأوائل في التصنيف باعتبارها أكثر الاقتصادات ابتكاراً في العالم، بينما تحتل فرنسا المركز 11 والصين 12 واليابان 13.

كما تُظهر الاقتصادات الناشئة الأخرى أداءاً قوياً ثابتاً، ومن الجدير بالإشارة أن الاقتصادات العربية احتلت مواقع مختلفة في مؤشر الابتكار العالمي، وهي الإمارات 32، والسعودية 48، وقطر 50، والكويت 64، والبحرين 67، وعمان 69، والمغرب 70، والأردن 71، وتونس 79، ومصر 86، ولبنان 92، والجزائر 119. علماً أن معظم الدول العربية سجلت تقدماً ملحوظاً بالمقارنة مع 2022، في الوقت الذي لا تظهر الدول العربية الأخرى في المؤشر.

ويأتي هذا التقدُّم في مؤشر الابتكار العالمي نتيجة الدعم لقطاع البحث والتطوير والابتكار، وتكامل النظام البيئي للابتكار، وإطلاق التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار التي تستهدف أن تصبح السعودية من الدول الرائدة في مجال الابتكار على مستوى العالم، بما يُحقق رؤيتها الطموحة في التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار، والإسهام في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني، لتحقيق رؤية 2030.

ويمثل الابتكار عاملاً مهماً وأساسياً في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية والمتقدمة على حد السواء، إذ تتعدد البرامج التي تسمح بتحليل عناصر النظام الوطني للابتكار، فقد وضع كل من «الأونكتاد» ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي مثلاً، نماذج يمكن أن تطبقها الدول لتعزيز الابتكار الوطني. وتختلف هذه البرامج من حيث اعتماد المحرك الأساسي لنظام الابتكار إما على القطاعات المنتجة أو على الحكومة.

وفي عام 2016، أصدرت «الإسكوا» تقريراً شاملاً عن سياسات الابتكار، وُصُمِمَ إطار لسياسات الابتكار بحيث يتناسب مع احتياجات المنطقة العربية وأولوياتها ويرتكز على عنصرين رئيسيين، وهما رؤية الابتكار، والنظام الوطني للابتكار، كما يحدد مختلف أصحاب المصلحة المعنيين بتحقيق الابتكار، وُيُدرج الابتكار عموماً في سياق التنمية المستدامة الشاملة، بحيث تراعي سياسات الدول العربية المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأهداف الإنمائية في كل عنصر من عناصر نظم الابتكار الوطنية، ولتحديد ملامح الابتكار، من الضروري فهم القضايا ذات الطبيعة المعقدة للابتكار ودور الحكومة والأثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وتختلف الدول اختلافاً كبيراً في تفسيرها لدور الحكومة في الابتكار، إذ تتطلب طبيعة الابتكار المعقدة وسرعة تطوره إدارة قوية، مع أن الدولة لا تضطلع عادة بهذا الدور، وبالتالي فلا بد من إيجاد طرق جديدة تتعاون بموجبها الحكومة وقطاع الصناعة، مع تفادي تأثير المصالح الخاصة لكل من الطرفين، فينبغي على الحكومات أن تدعم التكنولوجيات ذات الأغراض العامة حتى لا تعوق المنافسة في السوق أو تنتهك قواعد المعونة الحكومية في المعاهدات الدولية، ويجب أن تركز الحكومات دعمها بشكل متزايد على التحديات، إذ تسعى إلى إعادة توجيه التغيير التكنولوجي من مسار يعتمد على التطورات التكنولوجية إلى آخر يهدف إلى تحقيق المزيد من الفوائد على الصعيدين الاجتماعي والبيئي.

وعلى صعيد موازٍ، تواصل معظم الدول العربية تطوير منظومة العمل الحكومي، عبر وضع خريطة طريق متكاملة، واتباع نهج جديد ومتكامل للحوكمة بهدف توجيه التطلعات للاستثمار على نحو واسع في مجالات البحث والتطوير بناء على استراتيجيتها الوطنية للابتكار، وتهدف إلى تحفيز الابتكار وتمكينه في 7 قطاعات وطنية رئيسية، وهي الطاقة المتجددة والنقل والصحة والتعليم والتكنولوجيا والمياه والفضاء، وذلك عبر تطوير الإطار التنظيمي المثالي، وتوفير خدمات تمكينية شاملة مع تعزيز البنية التحتية للتكنولوجيا وضمان توافر الاستثمارات والحوافز على نحو مستمر. إن الابتكار سيدفع الدول العربية إلى النمو والتطور، إذ ستقوده نحو التنمية الاقتصادية المستقبل واكتشاف مكامن خفية في الاقتصاد المعرفي والرقمي والجريء، كما ستدفع بقطاعاته نحو التنافسية، وتعزيز موقفهم الخارجي في حفظ حقوق الملكية الفكرية، كذلك ستدفع بتوليد المبادرات، كما ستجعلها تنافس الدول المتقدمة في الرعاية والاهتمام بالأفكار والمبتكرين، إذ تسعى لأن تشمل التشريعات مختلف أنواع الملكية الفكرية، حيث تعدّ معظم الدول العربية أعضاء في الاتفاقيات الدولية الأساسية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، ومنها اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية.

وعلى الحكومات اتخاذ تدابير وإجراءات حاسمة لضمان نجاح منظومة الابتكار على نحو متكامل، من خلال التركيز بشكل أوسع على مجالات التكنولوجيا العميقة باعتبارها العامل المحرك للمشهد التكنولوجي، تزامناً مع تنامي أهمية بيانات الذكاء الاصطناعي التي ستساهم، باعتماد أدوات السياسات المخصصة، في تمكين التجارب المبتكرة وإطلاقها عبر القطاعات المختلفة، وتحويلها لبنى تحتية أساسية يمكن الارتكاز عليها لاستشراف المستقبل، باعتبار الابتكار الطريق للتنمية.