زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الفراعنة وصلوا أستراليا!

قال البعض من قبل إن الفراعنة قد تمكنوا من عبور الأطلسي والوصول إلى المكسيك! وكان دليلهم على ذلك وجود أهرامات تشبه في شكلها الخارجي أهرامات الفراعنة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل وصل إلى أن أحد المغامرين النرويجيين صنع مركبا من البردي، مستعينًا بمناظر القوارب المسجلة على جدران المقابر المصرية. ولأنه تجاهل حقيقة أن الفراعنة لم يستعملوا قوارب البردي في الإبحار في البحر أو المحيطات، وإنما استعملوها في نهر النيل وفي الصيد بالأحراش؛ لذلك لم يتمكن من عبور الأطلسي بقارب البردي وفشلت المغامرة، لكن بعد أن حصد شهرة ودعاية واسعة من وسائل الإعلام كافة. وقد شاركتُ في مؤتمر متخصص حول الأهرامات مع عشرين عالما من المتخصصين في أهرامات المكسيك وإندونيسيا والعراق وبيرو، وفي نهاية المؤتمر أعلنا عدم وجود صلة بين الأهرامات المصرية وأهرامات هذه البلدان. واتفقنا على أن فكرة بناء الهرم بدأت في مصر؛ وربما تكون هناك تأثيرات مصرية في بناء الأهرامات، إما عن طريق صلات مباشرة أو غير مباشرة. كذلك اتفقنا جميعًا على أن الشكل الهرمي ظل دومًا في هذه البلدان قاصرا على طبقة بعينها هي الأقوى والأكثر ثراء. كذلك، فقد ثبت أنه بينما كانت أهرامات الفراعنة مقابر، فإن الأهرامات الأخرى في البلدان المختلفة كانت معابد ولم تكن مقابر.
والجديد في مسألة الفراعنة هو أنني حللت ضيفًا على الغداء مع علماء المصريات من جامعة ماكوير بسيدني على هامش زيارتي لأستراليا لإعطاء سلسلة من المحاضرات؛ وقد نظم الغداء عالم المصريات المصري الأسترالي نجيب قنواتي، وفاجأنا أحد الحاضرين بقوله بوجود أدلة تثبت أن الفراعنة وصلوا إلى أستراليا؟! وقبل أن أفيق من المفاجأة وجد شخص آخر يضحك لدهشتي ويقول إنه بالفعل تم العثور على نقش هيروغليفي داخل الحديقة الوطنية التي تبعد نحو 70 كم شمال مدينة سيدني! والنص الهيروغليفي الموجود داخل الحديقة منحوت بالنقش الغائر على الصخر ويمثل شكل أنوبيس حامي الجبانة واقفًا وعلامة العنخ، وتعني الحياة، في يده واسم الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر موجود وبنقش واضح مقروء لا شك فيه.
وأردف الأستاذ الجامعي يقول إنه بعد انتشار الموضوع بين العامة في كل أنحاء أستراليا؛ طالبت الصحافة قسم المصريات بجامعة ماكوير بتشكيل لجنة علمية لبحث موضوع النقش.. وبعد أن قامت اللجنة بعملها اتضح لهم أن النص الهيروغليفي مفبرك وغير أصلي، وأن الشخص الذي صنعه غير متخصص، حيث إن الكلمات والنصوص ما هي إلا أشكال هيروغليفية لا تؤدي إلى أي معنى. وتم نشر التقرير في عام 1983؛ وعلى الرغم من ذلك اعتبر موقع النقش مكانًا مهمًا للسياحة، ويتوافد عليه السياح من كل مكان.. والغريب أن من الناس من لم يصدق التقرير العلمي وأعجبته فكرة أن الفراعنة وصلوا أستراليا وأصبحت المقولة بالنسبة لهم تاريخًا ثابتًا يقصونه على أبنائهم وأحفادهم؛ حتى صار هناك كثيرون من الشعب الأسترالي من يعتقد بالفعل أن الفراعنة كانوا هم أول المهاجرين إلى أستراليا.