رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية
TT

الصراع على سوريا والمبادرة السعودية

قال العميد أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي إنّ الجيش السعودي مستعدٌّ للمشاركة في حربٍ برية على «داعش» في سوريا. ثم أوضح هذا التصريح اللافت وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما قال في المؤتمر الصحافي في خاتمة المحادثات إنّ السعودية مستعدة لإرسال قوات أرضية إلى سوريا لمكافحة «داعش»، لأنّ الملك سلمان بن عبد العزيز يستبطئ الحرب ضد «داعش». وستكون القوات السعودية، إنْ تقرر إرسالُها، من ضمن التحالف الدولي المكوَّن من 65 دولة بقيادة أميركية. والمفهوم أنّ هذه المبادرة سوف تُناقش بشكل جدي في مجموعة دول دعم الشعب السوري قريبًا. وما أيدت المبادرة السعودية دولة أخرى من الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش» غير دولة الإمارات، وبنفس الشروط السعودية.
ما الذي يعنيه ذلك؟ الذي يعنيه أنّ المشهد السوري يوشك أن يضيع على الشعب السوري وعلى العرب، وأن الصراع منذ ثلاث سنوات على الأرض السورية يدور بين إيران وتركيا، ولا دور للعرب فيه غير الدعم المالي لبعض كتائب الثوار. والسعودية تحاول للمرة الثانية - بعد المشاركة بالطيران في التحالف الدولي - أن تُصبح طرفًا في المشهد السوري، يدعم المعارضة، ويسهم في صون وحدة سوريا، وعودتها إلى الاستقرار والانتماء العربي.
لقد استقدم الطرف الإيراني خلال العام 2015 المزيد من قوات الحرس الثوري، وثمانية إلى عشرة آلاف من ميليشيا حزب الله. أما الميليشيات الشيعية الأخرى الأفغانية والعراقية فتكاد تصل إلى الثلاثين ألفًا عددًا. وما استطاعت إيران وميليشياتها تعديل ميزان القوى، لأنّ قوات النظام السوري تكاد تختفي من المشهد. ولذلك فقد قرر الإيرانيون والسوريون منذ صيف العام 2015 الاستغاثة بموسكو التي كانت تراقب المشهد عن كثب، وتنظر في مصالحها فيما لو سقط نظام الأسد، وهل يحكم الثوار، أم يصبح المشهد مثل ليبيا؟ وفي الحالتين، لن يكون ذلك لصالح روسيا. وارتأت الأطراف الثلاثة أخيرًا أن يزور الأسد موسكو ويطلب المساعدة رسميًا. وبعدها تشاور الروس مع الأميركيين، باعتبار أنهم سيتدخلون لمقاتلة «داعش» بعد أن أثبتت هجمات التحالف الدولي أنها غير فاعلة أو غير كافية، وليس في سوريا فقط؛ بل في سوريا والعراق!
كانت الاستخبارات الأميركية قد رصدت الاستعدادات الروسية المحمومة، فاجتمع الأطلسي، وارتأت أكثرية أعضاء الحلف أنها لا تستطيع الاعتراض على التدخل الروسي إن كان بطلبٍ من السلطات السورية وبقصْد مقاتلة «داعش». إنما المشكلة أنّ روسيا لا يمكن أن تقبل التنسيق القريب مع القيادة الأميركية، ولذلك فالأرجح أن الهدف الحقيقي ليس مقاتلة «داعش»، بل ضرب الثوار الذين يتقدمون على حساب الأسد. أما «داعش»، فمنذ قصة تدمر التي انسحب منها عمليًا فإنه لا يتقدم بل يتراجع تكتيكيًا حينًا أمام قوات الأسد، وأحيانًا أمام الكتائب الكردية. وهو لا يتقدم منذ عام إلا على حساب الثوار المعتدلين إن استطاع. هذه الإيضاحات التي قُدّمت من جانب أمنيي واستراتيجيي الناتو، دفعت تركيا عضو الحلف إلى الذهاب إلى أنّ الناتو ينبغي أن يعترض لا أن يسكت عن التدخل. وبعد نقاشٍ طويلٍ جرى الاتفاق على الانتظار إلى أن يحدث التدخل، وعلى أميركا وتركيا بالذات إجراء محادثات مع الرئيس الروسي ووزير خارجيته للتحقق من النوايا، والتحفظ إن اتضح أنّ الروس لا يضربون «داعشا».
لكنّ موقف الأميركيين كان ضعيفًا، وكذلك الأتراك، وليس في مواجهة روسيا وحسب، بل وفي مواجهة إيران، ومواجهة نظام الأسد. فالأميركيون كفّوا منذ العام 2013، رغم مقررات حنيف-1، عن العمل حقيقة لإزاحة بشار. ثم إنهم لم يعترضوا على التدخل الإيراني بالعسكر والميليشيات لا قبل الاتفاق النووي ولا بعده. ويضاف إلى ذلك أنهم لم يستخدموا على الأرض في سوريا طوال قرابة السنتين غير ميليشيات حزب العمال الكردستاني، التي تعتبرها تركيا والولايات المتحدة معًا تنظيمًا إرهابيًا (!). فليس لدى الولايات المتحدة غير اعتبارٍ واحدٍ لا تحيد عنه وهو مكافحة الإرهاب الداعشي، وإرهاب «النصرة»، وأحيانًا التنظيم الوهمي المسمَّى تنظيم خراسان! وما وجدت معتدلين لمكافحة «داعش» بزعمها غير أكراد حزب العمال. كما لم تجد مخلصًا في العراق غير قوات البيشمركة ضد الإرهاب. وهكذا فلو كانت الولايات المتحدة على يقين أنّ بوتين سيضرب المعتدلين فهذا لا يعنيها، وستُسرُّ إن تلقّى منه «داعش» بعض الضربات! بل الذي يبدو أن الولايات المتحدة ما اعترضت بل دعمت ميليشيات حزب العمال التي تنسّق مع الروس على الأرض وتتقدم نحو مناطق خصوم الأسد وليس ضد «داعش»!
وموقف تركيا كان ضعيفًا حتى قبل التدخل الروسي. فصحيح أنها تتحدث ضد نظام الأسد منذ العام 2012، لكنها اكتفت بالسماح للذين يريدون مقاتلة نظام الأسد بالدخول إلى سوريا: كيف تأتمن على حدودها «داعشا» والتركستانيين و«النصرة» والميليشيات الإيرانية وسائر الشياطين التي تتجول عبر الحدود؟ حتى الرئيس الشيشاني البوتيني العظيم قديروف يقول الآن إنه اخترق الحدود التركية وعمل ضد تركيا وضد الثوار وقوات الناتو! لدى تركيا ملايين السوريين، وبينهم عشرات ألوف التركمان الهاربين، لماذا لم تفعل ما فعلته إيران؟ تهيئة ميليشيا ضخمة تركمانية وعربية وإدخالها إلى سوريا من اللاجئين عندها، بدلاً من ترجّي الولايات المتحدة للموافقة على منطقة آمنة، يحميها الطيران الأميركي، وهو ما لم توافق عليه واشنطن، لأنها لا تريد التدخل ولو لأسبابٍ إنسانية!
المهم أنّ الروس تدخلوا وطغوا على المشهد. وأكبر المتضررين بعد الشعب السوري: تركيا. ولذلك فإنّ العلاقات التركية - السعودية تحسنت كثيرًا أيام الملك سلمان بن عبد العزيز. وصار هناك دعمٌ لوجهة نظر الأتراك بالتدخل البري وبالمنطقة الآمنة ليس من الجانب العربي فقط؛ بل ومن الجانب الأوروبي، لأنهم لا يريدون مزيدًا من اللاجئين عندهم عبر تركيا!
ضرورات التركي إذن ضرورات أمنية. أما الضرورات العربية فهي ضرورات إنسانية واستراتيجية. تركيا لا تريد إيران وميليشياتها على حدودها ولا الميليشيات الكردية. وهي لا تستطيع ضربها خوفًا من الطيران الروسي. أما العرب فيريدون الوجود على الأرض السورية - بعد أن حلّقوا في أجوائها - لحماية الشعب السوري ما أمكن، وللحفاظ على عروبة سوريا وانتمائها من «داعش» ومن الميليشيات المتأيرنة مثل الأفغان وحزب الله والحرس الثوري.
قصة سوريا مثل قصة العراق وأفظع لجهات القتل والتهجير والفقد والافتقاد العربي. فهل يمكن فعل شيء لتجنب الأسوأ. هذا ما تحاول السعودية وتحاول الإمارات القيام به. ويا للعرب!