ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

تظاهرات لبنان وهاجس الإعلام

«إذا راح الإعلام مدري شو رح يعملو فينا»...
عبارة تكررت أكثر من مرة خلال التغطيات المباشرة لحراك الشباب اللبناني الذي يواصل احتجاجاته ضد الحكومة والأحزاب السياسية تحت عنوان «طلعت ريحتكم».. يمكن لمس خوف حقيقي في أحيان كثيرة وربما مبالغ في أحيان أخرى من فكرة مجابهة بين متظاهرين والأمن من دون إعلام. بدا الناشطون اللبنانيون بتوجس تجارب مريرة عاشتها دول الربيع العربي وبعسف أمني لبناني ظهر أيضًا في أكثر من حادثة.
خلال أيام استنفد ناشطو لبنان الكثير من وسائل التعبئة والتعبير التي ابتكرها متظاهرو ساحات مصر وتونس وسوريا واليمن وحاولوا الإضافة إليها. ظهر جليًا أن الهاجس الأكبر لدى الناشطين اللبنانيين هو الإعلام، ويبدو ذلك مفهومًا حين نستلهم مما حدث في السنوات الأربع الماضية. ففي سوريا، ومنذ اليوم الأول، منع النظام السوري الإعلام من تغطية المظاهرات وأقفل حدوده في وجه الصحافة العربية والغربية إلا من أَمِنَ تغطيتهم فشرع في تعذيب مواطنيه وقتلهم مطمئنًا إلى انضباط الصوت الصحافي فتحول السوريون إلى متظاهرين وصحافيين ومعلقين لينقلوا ما يحل بهم عبر هواتفهم.
في مصر يكافح الناشطون والمعارضون لكسر الطوق الرسمي الإعلامي الذي اعتقدوا بعد الثورة أنه تهشم ليتبين لهم اليوم بعد أربع سنوات أنه يزداد انقضاضًا عليهم، فبات في جله الأعظم إعلام سلطة متزلف يغيب أصواتهم ومواقفهم إلى حد خانق.
كذلك الحال في ليبيا واليمن كل بحسب واقعه وظروفه.
في لبنان، ومنذ اللحظة الأولى للتظاهر، أدرك منظمو الحراك أهمية دور الإعلام بشقيه التقليدي والحديث، فهم استخدموا بنشاط وحيوية وسائل التواصل الاجتماعي محاولين الاستلهام من تجارب المحيط.
صحيح أن الحراك الشبابي يفتقد إلى التنظيم، وهذا ليس بالضرورة نقيصة، إلا أن قياداته وعناصره تمكنت من الاستفادة من خبرات شبان وشابات على مستوى عالم من الاطلاع والعلم وعلى تماس فعلي مع تقنيات العصر ولغته، ساعدهم في ذلك حالتا الحرية النسبية في لبنان أولاً، والانقسام اللبناني ثانيًا، لإظهار احتجاجهم ومواقفهم.
ولعل نقطة القوة الأبرز في الحراك اللبناني هي تجرؤ الشعارات على القيادات اللبنانية بالاسم والصورة وبالأغنية والرسم. صحيح أن هناك محاولات لضبط التجرؤ على شخصيات بعينها خصوصًا محاولات شمل الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، بشعارات الاحتجاج.
تمكن الحراك رغم كل الضغوطات من تثبيت أحد شعاراته الاحتجاجية «كلهن يعني كلهن» في إشارة إلى رغبته في إنتاج طبقة سياسية جديدة من خارج الانقسام التقليدي اللبناني بين ما يسمى قوى 8 آذار و14 آذار.
لكن الوعي بأهمية الإعلام والتغطية المباشرة ودورها الفاعل في تخفيف القبضة الأمنية وفي ضبط خطاب السلطة أو الحكومة نوعًا ما، أمر يحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق؛ إذ لا شك أن الإحاطة الخبرية، خصوصًا المباشرة، تعطي زخمًا وتمد الحراك بنقاش وتعطيه منبرًا، لكن المبالغة التي لجأت إليها بعض التغطيات الإعلامية كان يمكن أن تستنزف الحراك وتفرغه من بعض مضامينه المحقة.
في الحالة اللبنانية، يطغى الانقسام على الإعلام اللبناني والأطراف السياسية أجمعت على اتهام الحراك الشبابي بالكثير من العناوين التي ألفها متظاهرو دول أخرى، وهنا انحصرت التغطية بين مقاربتين: تغطية مكثفة وداعمة للشارع، في مقابل تغطيات أخرى تشكيكية، وهذا ما رفد الحراك الشبابي بمضامين نقاش واسعة.
لا شك أن ناشطي الحراك اللبناني قد أجادوا توظيف الإعلام في إظهار اعتصاماتهم وشعاراتهم وآرائهم. فعلوا ذلك بصورة مضخمة لحراكهم أحيانًا، وهذا التضخم ما زال في طوره المقبول، لكن الذهاب بعيدًا في الاعتماد عليه سلاح ذو حدين. صحيح أنه يساهم في بث الخوف لدى السلطة، لكنه أيضًا يعطي مشهدًا أجوف للحراك. الموازنة هنا ضرورية والنفس الطويل والتراكم حاجتان ملحتان أيضًا.
diana@ asharqalawsat.com