بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

حرب نووية تقترب؟

حتى إذا أمكن لتفاهم أميركي - صيني أن يضع جانباً خطر مواجهة نووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، سيظل شبح حرب تناطح الرؤوس النووية والقنابل الهيدروجينية يخيم فوق رؤوس البشر. مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، تناقل غير موقع تقرير مجلة «ذا نيويوركر»، الذي تحدث عن مسارعة عدد من كبار أثرياء العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة، لشراء ملاجئ محصنة ضد الإشعاع النووي، ومجهزة بأسباب العيش الرغيد سنين عدداً. التقرير تضمن معلومات ينشرها بعض الأثرياء أنفسهم، عبر مواقع «الميديا» الاجتماعية، ويتضح منها أن عدداً من أصحاب المليارات في وادي السيلكون، مهد ثورة الاتصالات العالمية، سارعوا منذ زمن إلى شراء أراضٍ لبناء ملاجئ فخمة. يتوسع التقرير في الشرح على نحو مهم، بل طريف ولافت، فيدعي أن شركة بناء تخصصت في تحويل مستودعات قديمة للصواريخ تحت الأرض شُيدت سنة 1960 إلى ملاجئ فارهة مقاومة للهجمات النووية، وأن قيمة الملجأ تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين دولار، ويمكن العيش فيها خمس سنين بلا حاجة لأي شيء من خارجها.
لكن ماذا عن بسطاء الناس، وهم الأغلبية بين بني آدم وحواء، ما الذي سيحل بهم لو انفجرت حرب نووية في قارة أخرى، بعيداً عن مخاطر المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟ قبل أكثر من ثلاثة أعوام (10/ 12/ 2013) نشرت منظمة «أطباء دوليون لأجل منع الحرب النووية» دراسة أعدها عدد من العلماء، وتضمنت إنذاراً يثير الفزع، خلاصته أن حرباً نووية بين الهند وباكستان سوف تؤدي إلى فناء ملياري إنسان. وفقاً لما جاء في الدراسة، فإن «مقتل مليار من البشر في العالم النامي هو كارثة لا توازيها كارثة في التاريخ البشري. لكن إذا أضفنا احتمال تعرض مليار وثلاثمائة ألف صيني للخطر، فسنكون قد دخلنا عصر نهاية الحضارة الإنسانية».
علماء غير معنيين بالسياسة وتقلباتها، أسهموا من جانبهم في التذكير بأن حرباً نووية تقترب وقد تؤدي إلى نهاية العالم. في السابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، نقلت مواقع وصحف عالمية عدة، منها «الشرق الأوسط»، عن دورية «ذا بوليتان» العلمية، وهي نشرة خاصة بعلماء الذرة في جامعة شيكاغو، القول إن العلماء أقدموا على تقديم موعد النهاية المنتظرة ثلاثين ثانية. وفق التقرير، كانت جامعة شيكاغو أنشأت سنة 1947 ساعة رمزية لانفجار حرب نووية عالمية، وتم ضبط الساعة على إيقاع أن تلك الحرب ستقع قبل ثلاث دقائق من منتصف ليلٍ ما. وفق ذلك التقرير، جرى تقديم التوقيت المُتوقع دقيقتين ونصف الدقيقة. الطريف، والمفجع في الآن نفسه، أن الفريق المؤسس لمجلة «ذا بوليتان» ذاتها يضم مجموعة علماء ساعدوا في تطوير الأسلحة النووية في أربعينات القرن الماضي. أما المجلس الحالي، الذي اتخذ قرار تقديم «ساعة النهاية»، فيضم علماء في الذرة والفيزياء والبيئة من جميع أنحاء العالم، فيما يضم مجلس رعاة المجلة خمسة عشر عالماً من الفائزين بجائزة نوبل.
يبقى كل ما سبق في إطار التكهنات، فليس يعلم ما يخبئ المستقبل سوى عالم الغيب والشهادة. لكن الأخذ بالأسباب هو من سنن الفطرة في الإنسان. في هذا السياق، ليس من تثريب على المقتدرين مالياً أن يسارعوا لاتقاء شر الحرب النووية. إنما، أليس الأولى أن يتساوى في تجنب ذلك الخطر كل البشر، بصرف النظر عن الغنى والفقر، العرق واللون، الجنس والدين؟ بلى. لكن ذلك العدل لن يتحقق ما دام مصير العالم ظل رهن عقول استوطن الغَرور خلاياها، فمكّن غُرور امتلاك آلات الدمار وغطرستها من التحكم في أفعالها. عندما يشاء مُسيّر الكون، تحل مفاتح الخير محل مكامن الشر. إذ ذاك، تصبح الطريق ممهدة كي يعمَّ الأرض سلامٌ بشّر به الأنبياء والرسل كلهم أجمعون. طوبى، إذنْ، لكل من أحب وأحبت الخير للناس أجمعين، فاطمأن القلب منهما والنفس.