عضوان الأحمري
صحافي سعودي، رئيس خدمات الديجيتال والأونلاين في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

«داعش» سعى إلى نهايته؟

في لقطة مرئية انتشرت عبر الهواتف الذكية أمس، جاء مشهد يلخص كل الحكاية. زوار للحرم النبوي الشريف يهمّون بتناول إفطارهم، ليسمعوا صوت انفجار لم يكن في حسبانهم، يتلفتون لثوان معدودة، ثم يعودون لإكمال إفطارهم.
في أقدس بقعة دينية للمسلمين على وجه الأرض بعد مكة المكرمة، يهم انتحاري من «داعش» بتفجير نفسه، ليرسم نهاية وسقوط آخر حجج المتطرفين بإطلاق اسم ما يسمى «دولة الخلافة» على تنظيم الفحش والفجور هذا!
«داعش» يستهدف الإسلام، هذا هو الملخص، وهذه هي الرسالة التي ينبغي أن يعلمها الغرب على نطاق واسع، ليعرف أن هذا التنظيم يستهدف البشرية جمعاء، ينبغي أن يعلم الغرب أن «داعش» هو مجموعة من المنحرفين ومدمني المخدرات، مثلها مثل فرقة الحشاشين التي أسسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في بلاد فارس مقرا لها في القرن الثاني عشر الميلادي، إنه الاسم الذي اتخذ منه الغرب كلمة للقتل وقطع الأعناق، وهي الكلمة المعروفة في اللغة الإنجليزية بـAssassin هكذا هو «داعش».. مجموعة من القتلةالمأجورين رأوا في الانتحار تحت مظلة «الخلافة» بطولة، بدلاً من الانتحار التقليدي.
لقد تغيرت الأدوات، والهدف واحد. فمن قام بتفجير نفسه في مسجد قوات الطوارئ، والمصلون من الطائفة السنية، كان يراهم كفاراً يخدمون دولة كفر - في أدبيات التنظيم المتطرف - والذين فجروا أنفسهم في الكويت والقطيف والأحساء، مستهدفين حسينيات للشيعة، كانوا يرون الشيعة كفاراً، والذي قتل والدته طعناً يراها كذلك. هذه الفرقة ترى العالم بقعة كفر كبرى، وهذا التنظيم الذي ينتمي إليه كل هؤلاء يرى نفسه الفرقة الناجية.
نموذج آخر من عفاريت هذا التنظيم الشرس، شخص يدعى أبو ثامر المهاجر، الذي خرج على وسائل التواصل الاجتماعي يهدد رجال الأمن من الرقة في سوريا، لكن جيرانه ضبطوه، وفضحوا أمره ليبينوا للناس بأن هذا الإرهابي ليس سوى مدمن ومروج للمخدرات. وبنفس المقاربة، فإن منفذي هجوم باريس الدامي سبتمبر (أيلول) الماضي، كانا يمتلكان حانة ويتاجران بالحشيش، والأمثلة تطول، تدلل على أن أعضاء التنظيم مجموعة من الموتورين والإرهابيين الذين لا علاقة لهم بأي دين، بل مجرمون وجدوا عملاً مجانياً، وفرصة متاحة لممارسة الفسق باختطاف النساء واغتصابهن، ومكافآت مالية تتراوح ما بين 200 إلى 1000 دولار.
«داعش» ليس لغزاً، من يتابع إصداراته يكتشف بعض الأسرار. في إحدى التسجيلات، يقوم أعضاء التنظيم بنحر رفيق لهم من روسيا، والسبب أنه كان حلقة وصل للاستخبارات الروسية، وتسبب في إحباط عمليات للتنظيم هناك. وفي المقابل، من يقرأ اعترافات بعض الهاربين منهم، يجد أن نظام بشار الأسد و«داعش» ونظام طهران يعملون سوياً في ساحة واحدة، فأكثر من اعتراف لدواعش سابقين أقروا فيه أن التنسيق مباشر، بل إن قوافلهم تمر من نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد دون أن تمس. وليس جديداً أيضا أن النظام السوري يستخدم الإرهاب علناً، فقد هدّد رئيس وزراء العراق الأسبق نوري المالكي بتقديم ملف كامل عن تورط دمشق في تهريب إرهابيي «القاعدة»إلى الأراضي العراقية، وقال إن بلاده سترفع هذا إلى مجلس الأمن، قبل أن يصبحا شركين لطهران في حربها الطائفية التوسعية من العراق وحتى لبنان.
ماذا عن استهدف «داعش» لمسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة؟
من المبكر اتهام من هو المدبر للعملية، أو الموجه لها. لكن باستعراض تاريخي لجرائم الميليشيات التابعة لإيران باستهداف مكة المكرمة مثلاً، يعطي الفرصة لطرح تساؤلات أكبر، وربط بين الأحداث.
في فبراير (شباط) عام 1979 يتولى الخميني حكم إيران، ويصبح أول مرشد للثورة الإسلامية، وبعدها بـ9 أشهر يقتحم جهيمان العتيبي الحرم المكي، في تفاعل سريع مع الروح الثورية التي بدأ الخميني يصدرها. ويبدأ «حزب الله» - الحجاز باستهداف محيط الحرم بتفجيرات متتالية، وهجوم بالسكاكين والسواطير بين إيرانيين وأعضاء من الحزب التابع لإيران من جهة ورجال الأمن السعوديين والحجاج من جهة أخرى. الهدف منها ليس عداء مع السعودية، لكن لضرب الصورة الذهنية للأمن والاستقرار، وللمطالبة بعدها بتدويل الحج والعمرة.
هذا هو السبب نفسه الذي يمكن لـ«داعش» إقناع هؤلاء البسطاء الذين لا يمتلكون حصانة ثقافية تحميهم من الانجراف نحو هذه الأفكار الشريرة لهذا التنظيم المأفون، إنه محاولة لضرب الأمن والاستقرار في الحرمين الشريفين، حتى تتمكن ما يسمى «دولة الخلافة» من تنفيذ مشروعها الدموي لتشويه صورة الإسلام.
هذا رأي قد يراه البعض مبالغا فيه، لكن بالرجوع لردة الفعل الإيرانية، وردة فعل العراق وميليشيا ما يسمى «حزب الله » بعد تسبب الحجاج الإيرانيين في وفاة المئات في موسم الحج الماضي، يصل إلى نتيجة أن التقاء الهدف يجعل من «داعش» أداة لطهران لضرب استقرار الخليج.
التنديد العالمي والتضامن الذي لحق بحادثة استهداف المدينة المنورة وجدة والقطيف، يعطي إشارة واضحة أن استقرار السعودية، هو استقرار للمنطقة العربية والخليج.
وباستهداف «داعش» لمدينة الرسول وقبره، يرسم التنظيم المتطرف بذلك نهاية الأعذار لأولئك الصامتين الذين لم يفتحوا أفواههم بسوء ضد «داعش» وكأنهم بذلك يباركون إجرامها.
يبدو أن المشوار في الحرب على الإرهاب طويل، وتجفيف منابع العنف هي بتفتيت حواضن الطائفية والتحريض، والانتباه المبكر لكل مواطن الشر، لا بد أن يعي المواطن في أي مكان من البلاد العربية الخطر الماحق الذي ينتظر الأجيال القادمة إذا لم تتكاتف الجهود لاجتثاث هذا البلاء العظيم الذي جثم على ظهر الأمتين العربية والإسلامية، ليخطف ديننا الحنيف، ويسيء إليه في ربوع المعمورة.
لقد وضح الطريقان الآن وليس هناك من طريق ثالثة بينهما.. طريق الضلالة، وطريق الهدى..