بعد إعلان تركيا وإسرائيل تطبيع العلاقات؛ والتي هي قائمة أساسا منذ 1949م، اعترضت منظمة الإغاثة الإنسانية والحقوق والحريات التركية (المؤسسة التي نظمت رحلة الإغاثة لقطاع غزة عام 2010 فيما عرف وقتها بـ "اسطول الحرية" ومنه سفينة "مافي مرمرة" التركية)، بسبب أن الإسرائيليين اعترضوا الأسطول الغير مرخص له دولياً، وقتلوا 9 ناشطين بعد مواجهات، وعاشرا توفي متأثراً بجروحه لاحقاً.
المثير، أن تسريبات صحفية تقول إن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبخ المعترضين من المنظمة على تطبيع العلاقات مع تل أبيب، مبررا أن حكومته كانت وما تزال تقدم المساعدات الإنسانية والدعم اللازم لقطاع غزة. ثم جاء في التسريب أن اردوغان قال لهم إنهم لم يأخذوا إذناً أساسا بالقيام بالحملة!
بلا شك أن التطبيع مع إسرائيل شأن تركي بحت، والشعب التركي هو من يحق له الاعتراض والتأييد، فهو المتأثر سلباً وإيجاباً… لكن الطريف في الأمر خروج مجموعات من الإخوان المسلمين تبرر بطريقة مستهلكة وهي "أن هذا شأن تركي بحت ولا يحق لأحد التعليق عليه".
تنازل الإخوان هنا عن "الأمة" وأحلامها وهمومها وطموحاتهم تجاهها، ولعل بعضهم يقر في داخله بالدهاء التركي، فقط تقرباً من أنقرة.
بنفس الحالة والمقارنة، فإن تعامل الحكومة المصرية مع جماعة الإخوان المسلمين هو شأن داخلي بحت، وأي تعليق أو تدخل في هذا الشأن فهو يقع في نفس خانة المقارنة مع تعليق البعض على تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
الجماعة؛ خرج أحد أفرادها واغتال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مهندس اتفاقية كامب ديفيد. التكفير حالة سائغة وأمر مستسهل لديهم، ولهذا كان الاغتيال تحت ذريعة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن الآن لا يملكون (الجماعة) إلا مباركة التطبيع التركي - الإسرائيلي، فهم مغلوبون على أمرهم، يبحثون عن من يدفع أكثر، ومن يحتويهم.
كان التطبيع مع إسرائيل وإقامة علاقات إحدى حجج الإخوان والجماعات التابعة لها لاغتيال السادات، لكن الحقيقة كانت للسيطرة على حكم مصر. يقول منتصر الزيات محامي الجماعة الإسلامية، إن تعليمات صدرت لقادة التنظيم في جميع أنحاء مصر، أن يتابعوا اغتيال الرئيس (السادات)، وبعد أن يشاهدوا الذي حدث يذهب كل فريق للسيطرة على مقار الحكم في المحافظة التي يوجد فيها! مخطط لتدمير مصر، واعتلاء سدة الحكم، بنكهة الدم، وبنفس المبرر الذي امتنعوا عن مهاجمة تركيا الآن بسببه.. (التطبيع)!
اتفاقيات التطبيع صورها البعض أنها انتصار لأنقرة، لأن إسرائيل ستعتذر عن أحداث أسطول الحرية والهجوم على سفينة مرمرة، لكن الحقيقة أن تركيا ستلعب دور الوسيط لإعادة إسرائيليين تسللوا إلى قطاع غزة، وستعيد جثامين اثنين من جنودها قتلوا هناك. وستمارس أيضاً دور الوسيط، للتهدئة.
تركيا بحثت عن تحالفات جديدة واتفاقيات، اتجهت لروسيا وإسرائيل، صافحت من لا يريد الجمهور مصافحته، فعزلتها الدولية اضطرتها لقبول شروط الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين. وصول إرهاب "داعش" إلى بقع مختلفة من الأراضي التركية، دفع بأنقرة الى التعاون مع الجميع وطلب العون ممن يستطيع، للقضاء على خطر المتمردين من حزب العمال الكردستاني على حدودها، ولوقف هجمات التنظيم المتطرف في سوريا، وهذا ما سيبدد الشكوك أن مدناً في تركيا كانت أشبه بـ "الحديقة الخلفية" لتنظيم "داعش" المتطرف، بل أجمل وصف ما قالته "نيويورك تايمز" عن الأحداث الأخيرة ... "نهاية شهر العسل بين تركيا وداعش".
السياسة مصالح، وهناك الكثيرون من سيبررون دوما لمن يحبون ويتعصبون ويفرشون الطريق تكفيرا لقتل من يعارضهم.
7:52 دقيقه
TT
تطبيع تركيا وإسرائيل.. ومرارة «مرمرة»!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة