عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

العمر.. لحظات

اللحظة التي يبلغك فيها خبر وفاة شخص تعرفه جيدا هي لحظة غريبة تحمل مع النبأ الحزين دفعة من عدم التصديق والدهشة. نعم الدهشة من الكلمات ذاتها، ماذا يعني أن "فلانا مات"؟ كلمتان تختصران حياة بطولها وعرضها، بلحظاتها الحلوة والمرة وبذكريات الصحبة، ولحظات مرت لم تر فيها ذلك الشخص، أو لحظات كان يمكنك فيها قول شيء لطيف أو حتى رد تحيه بسبب انشغالك في عملك ومتابعة أخبار تتقافز أمامك على الشاشة، أو فكرة تحاول تطويعها لتصنع منها عنوانا.
مر علي في مهنة الصحافة الكثير من الوجوه والشخصيات، تشاركنا في صالات التحرير الأفكار والأخبار، جمعتنا تجارب تعلم الجديد، سواء كان ذلك تعلم البرامج الالكترونية الجديدة أو استخدام تقنيات جديدة. غضبنا وانفعلنا على تغيير عنوان أو صورة أو على تعديل في مقال، وضحكنا أيضا وتشاركنا في الطعام وفي تبادل الحديث والذكريات.
في هذه اللحظة التي خيم فيها الحزن على صالة تحرير «الشرق الأوسط» بعد وفاة نائب رئيس التحرير الأستاذ علي إبراهيم، في هذه اللحظة أرى أن تلك اللحظات كانت ألبوم حياة مكتملا؛ عشنا في الجريدة سويا ثماني ساعات كل يوم، نتناقش ونضحك ونحزن ونغضب ونتشارك الطعام، هي حياة كاملة جمعتنا، حولتنا إلى عائلة واحدة، لكل منا طبعه وطريقة تفكيره، نختلف كثيرا ونتصالح أكثر، ولكننا في نهاية اليوم نشعر بأننا قريبون من بعضنا. رحل عنا علي إبراهيم منذ يومين، وجمعنا حزن واحد على الفقيد، نتذكر أيامه معنا، لحظات تناقشنا فيها. أذكره في صالة التحرير يأتي عند مكتبي قائلا "يا أستاذه إيه رأيك في الخبر الفلاني؟" أو ينبهني بموعد الاجتماع الصباحي. أتذكر ضحكته المجلجلة التي كانت تطلق جوا من المرح بيننا، حتى وهو على كرسيه المتحرك في أواخر أيامه وهو مصر على عمله، يتابعه بنفس الشغف؛ كان يطلق النكات، تغلبه الروح المرحة فيطلق الضحكة المجلجلة مرة أخرى لتـأخذ ألمه ولو مؤقتا وتعيدنا لجو العمل. رحم الله علي إبراهيم الذي ترك مكتبه فارغا ولكنه أيضا ترك روحه المرحة وضحكته في أجواء صالة التحرير.