د. حسين الطائي
أكاديمي وصحافي عراقي يعمل في «الشرق الأوسط»
TT

لماذا لا نشعر بالنار قبل وصولها إلينا؟

لم تكن هذه المقالة وليدة موضوع طرأ في بالي ذات ليلة، أو لمجرد أني أريد أن أكتب لأكتب، لكني رأيت أن من الواجب علي " على الأقل أمام نفسي" أن أكتب. إن حقيقة أننا على العموم لا نتخذ موقفا أو نواجه تحديات ما يواجهه بعضنا موحدين مجموعين، بل نقف متفرجين، جرّ علينا الكثير من النكبات والويلات، وأصبح واقعا نعيشه ونعيش آلامه ونتحمل تبعاته. وقد أعادني هذا الأمر الى موضوع شغل الإعلام الأسترالي في وقته وأعني به موضوع المهندس جون كانزس، وهو يمتد لأكثر من ست سنوات، منذ ان قرأته لأول مرة عام 2008.
ومن لا يعرف جون كانزس، فهو مهندس اتصالات أسترالي متقاعد، شاءت الأقدار أن تصاب زوجته بمرض السرطان، ولأنه يحبها حبا شديدا، لم يكن ليستطيع أن يبقى متفرجا دون أن يحرك ساكنا وهو يراها أمامه تذبل كالوردة ثم تتلاشى كأن لا أثر لها. فقرر جون ان يتحدى الواقع الذي يعيشه، مؤمنا بقدراته الروحية وإمكاناته على تغييره نحو الافضل والأحسن من أجل ايجاد حل وعلاج لزوجته المريضة، فسخر كل طاقاته وإمكاناته من أجل ذلك، وبعد جهود حثيثة ومضنية استطاع ان يصنع جهازا طبيا بإمكانه القضاء على هذا المرض من دون أي مضاعفات، رأفة بزوجته ورفقا بها.
وجد جون بعد تفكير عميق أن حقن الخلايا السرطانية بذرات من الذهب وتعريضها لجهازه الذي اخترعه والذي يعمل بالنطاق الموجي، كفيل بالقضاء على الخلايا المصابة من دون التأثير على الخلايا السليمة، فالجهاز يرفع درجة حرارة الخلايا المحقونة الى 600 درجة فهرنهايت، وهو كفيل بموتها من غير أن يؤثر ذلك على باقي أعضاء الجسم. وكان كل ذلك دون أن يستخدم مخدرا، ومن دون ان يشعر المريض بأي ألم أو إزعاج، وجرب هذا الجهاز على زوجته المصابة وتم شفاؤها بحمد الله.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد وجد جون ان هناك فوائد أخرى لهذا الجهاز، وفكر، بما ان الجهاز قادر على رفع درجة حرارة الاجسام بهذا المقدار من غير ان يستخدم أي طاقات أخرى فهو لوحده كفيل بانتاج الطاقة، فبدأ بتجربته على الماء واكتشف ان الجهاز يحلل الماء الى أصله، أي غازي الهيدروجين والأكسجين، وهذا يعني ان أي شرارة يمكن ان تولد كتلة من النار واللهب تصل درجة حرارتها الى 600 درجة فهرنهايت، وعلميا فإنه يثبت إمكانية تحويل الماء الى طاقة واستخدامه كوقود. ولم يقف الأمر عند هذا الحد ايضا، فقد اكتشف جون قدرات أخرى للجهاز الذي ابتكره ويعمل بالطاقة الموجية.
وقد اعتمد الجهاز رسميا لعلاج مرضى السرطان في أستراليا في نوفمبر(تشرين الثاني) عام 2008. وبدأت شركات صناعة السيارات تلاحقه للاستفادة من جهازه واستخدامه كبديل للطاقة.
أعجبت كثيرا بهذه الروحية وهذا التفاني والحب الذي يحمله هذا الرجل لزوجته، وقلت في نفسي إن عمله شخصي، فقد كان يبحث عن سعادته من خلال زوجته المريضة، وقد غاب عن فكر جون كانزس الملايين من الناس الذين يعانون من هذا المرض.
أين كان جون الذي تقاعد من عمله مهندسا للاتصالات ويتعامل مع الامواج بأنواعها عندما كان يعاني الكثير من مرضى السرطان. لم يفكر حينها أن يساعد الملايين من البشر. ولكن عندما أصيبت زوجته بهذا المرض وظف كل طاقاته وخبراته ليساعدها ويقضي على مرض لا يزال وقعه شديدا على الناس.
لقد كانت نظرة الإعجاب التي أكنها له مشوبة بالكثير من الهواجس والأمور.
كان عمل جون في بدايته ينطلق من واقع شخصي، ولم يدر بخلده انه سيكون بوابة كبيرة للأمل للكثير من المرضى من الممكن ان تتغير حياتهم نحو الأحسن.
قيل عن جون إنه سيغير العالم باختراعه، وسؤالي هو ما الذي يقوله جون عن نفسه؟
جون هو أنا أو أنت أو أي شخص آخر من الممكن ان نتعرض لما تعرض له، ولكن ما الذي يجعلنا لا نبصر أو لا نشعر بآلام الناس إلا عندما تصل تلك الآلام إلينا؟!