د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الهبوط «الباراشوتي»

استمع إلى المقالة

لم يَدُر بخلد مخترع «الباراشوت» الفرنسي «لو نورماند» عام 1783، أن يستخدمه الناس لاحقاً في مآرب أخرى!

إذا كان عدد من نجوا بالقفز المظلي يناهز ثلاثة ملايين فرد، في عام 2024، فإن عدد من هبطوا بـ«باراشوتات الواسطة» في إدارات لا يستحقونها لا يكاد يُحصى حول العالم.

المفارقة أن نادي «كاتربيلر» العريق الذي تأسس عام 1922، لا يمنح شارة العضوية إلا لمن نجا فعلياً بالهبوط الباراشوتي وليس في تدريبات ميدانية. وهي رمزية إلى أن الإقدام على الهبوط يتطلّب شرف المحاولة. ومن لا يملك شرف التجربة والخبرة كيف يمكنه أن ينسجم مع بيئة لا تتقبله.

طبيعة البشر ترفض «الغريب»، لكن ما إن تتحرك سواكن عبقريته ومهاراته حتى يقف له الجميع احتراماً وتقديراً. هؤلاء الذين يفرضون أنفسهم بذكاء ويجنون ثمار تفانيهم.

لا ضير أن يهبط علينا أحد من الخارج. فكثير من المسؤولين القادمين من بيئة عمل مختلفة يضيفون قيمة مضافة إلى الناس إذا ما أتوا من ثقافات مؤسسية تتحلى بالمهنية العالية. يتعلم الناس من طريقة عملهم، وسرعة إنجازهم، وشفافيتهم، ومرونتهم، وثقتهم بأنفسهم، وروح الفريق الواحد، فضلاً عن صدقهم في تمكين من يحتاجون إلى مد يد العون.

وسيبقى دوماً بعض الخبثاء الذين يحرّضون زميلهم على القفز بالباراشوت ليزيحوا عنهم عثرات الطريق، أو منافساً قوياً يُخشى صعوده.

الذي اكتشف طوق النجاة السماوي (الباراشوت) لم يتوقع أن يلهو به الناس بألعاب ترفيهية. فصرنا نرى من يتسلى بالهبوط في مواقع يجرب بها حظه، وليس معه سوى مؤهل المحسوبية (المظلة). غير أن بعض الواسطات تخذلنا كما يخذلنا الباراشوت الذي لا ينفتح عندما نكون في أمسّ الحاجة إليه. ولذلك يتعمّد البعض تصعيد المواجهة في العمل حتى لا يبقى أمامنا سوى خيار القفز بطوق النجاة، ثم نكتشف أن ذلك لم يكن سوى حيلة ذكية للتخلص منه عند باب الطائرة.

والحق يُقال إن بعض المناصب العليا لا تتطلّب خبرات ذات صلة، بل قدرات قيادية تحسّن إدارة دفة السفينة. وهذا يتطلب احترام التخصصات، وتمكين المميزين والمهمشين، واستقطاب الكفاءات للوصول إلى بر الأمان. وبعض المسؤولين يجيدون إطفاء الحرائق، والتعامل مع التغيير، وكسب الناس، وتشكيل فرق عمل تنطلق بسرعة الزوارق نحو أهدافها. كل ما يحتاجون إليه هو متسع من الوقت للإنجاز.

القفز بالباراشوت يتطلّب جرأة وشجاعة ومقدرة على التعامل مع الصدمات. وعندما نحرّض أحداً على مغامرة لا يقوى عليها فإننا نرتكب خطأ بحقه وآخر بحق المجتمع.