بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

ذريعة «حماس» لإسكات أصوات معترضة

استمع إلى المقالة

ضمن سياق مقالة الأربعاء الماضي: «صيحة سلمان الداية... لها وعليها»، أعود إلى السؤال: متى الوقت المناسب لكي يسأل عموم الناس قيادات الفصائل الفلسطينية، عما قدموا لقضية شعبهم من خلال المسؤوليات التي تولوها، وعما إذا كان كل الذي أقدموا عليه من ممارسات، سواء في العمل المسلح، أو على الصعيد السياسي، أسهم إيجابياً لصالح القضية والشعب معاً، أو أن بعضاً مما مورِس من أفعال، لم يكن مفيداً للقضية، ولا للناس، بل أضر بهما؟ قبل أن يسارع أحد إلى الظن بأنني أقصد مساءلة قيادات حركة «حماس»، بغية توجيه اللوم لها تحديداً، ضمن الانتقادات الموجهة إليها بشأن «طوفان الأقصى»، أسارع من جهتي إلى توضيح حقيقة أن إشكالية توقيت المساءلة الفلسطينية، تسبق وجود «حماس» ذاتها بعقود، بل إن عدداً من الشخصيات البارزة في الحركة - أحياؤهم والذين رحلوا منهم - كان يُواجَه بالرد ذاته من جانب قيادات حركة «فتح» عندما ينتقدون، أو يطالبون بالمحاسبة، فيقال لهم: ليس هذا وقت المساءلة.

حقاً، وبلا أي تجنٍ على أحد، سجلات تاريخ الحركات الوطنية المعاصرة في فلسطين، توثق أن أغلب قيادات حركة «فتح» التاريخية، التي لعبت الدور الأساس في تأسيس الحركة، ثم انطلاق نشاطها المسلح مطلع عام 1965، وصولاً إلى هيمنتها على الساحة الفلسطينية، أسهمت بشكل رئيس في ترسيخ ذريعة «ليس هذا وقت المساءلة». الأرجح أن الأحياء ممن عايشوا مطالع سبعينات القرن الماضي، يتذكرون أن بين الذين بقوا أحياء من قادة الصفين الثاني والثالث في «فتح»، ومنهم أبو علي إياد، مثلاً، في أعقاب مأساة سبتمبر (أيلول) 1970، غادروا الأردن غاضبين، وانطلق كثيرون منهم يطالبون بمحاسبة القيادات المسؤولة عما جرى. لكن إسكات أغلب هؤلاء إما بكاتم الصوت، أو بالمنصب المرموق، لم يكن صعباً. وقد حصل فعلاً. الفارق بين ذلك الزمن، وبين الوضع الحالي، بشأن ذريعة «هذا ليس وقت المساءلة»، صارخ بما يثير العجب هو أيضاً. فحركة «فتح» تجنبت دائماً إقحام الدين في الشأن السياسي، وهو تحديداً الذي تتشبث حركة «حماس» باعتماده منهجاً تضعه موضع التطبيق في كل حدث، بصرف النظر عن مستوى تأثير الحدث، أو خطورة الذي نتج عنه.

في سياق ما تقدم، يتضح لماذا اعتمد الدكتور سلمان الداية الشرع الديني في الاعتراض على «طوفان الأقصى». فكون الرجل العميد السابق لكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة، وهي جامعة تشرف عليها حركة «حماس» نفسها، إضافة إلى أن الداية يُدرِّس طلابها مادة الشريعة وأصول القانون، يؤهلانه لإطلاق صيحته، ولو تأخرت، بعدما اتضح حجم التداعيات الكارثية لما حصل على أرض غزة ولأهلها. إزاء أهمية شخص المعترض، ووزن مكانته العلمية، يصبح مفهوماً لماذا تنهض أصوات من داخل «حماس»، أو تتعاطف معها، فتوظف النص الديني، أو تستعين بأحداث كبرى ترجع إلى بدء انطلاق الإسلام، بما فيها الغزوات النبوية، لكي تسوق ذريعة أن الوقت غير مناسب للمساءلة. إنما الأرجح، أن الأجيال الفلسطينية الشابة، والمعنية بالمستقبل، لن تقبل هذا التذرّع بسهولة، وسوف تصر على المحاسبة. وللحديث بقية.