مرة أخرى، يعود الكاتب السعودي أسامة المسلم ليصنع الحدث الثقافي بامتياز! الكاتب الذي أصبح «ظاهرة»، يقترن فيها الأديب بالنجم الجماهيري، حيث يلاحقه الناس وأغلبهم من الشباب أينما حلّ ونزل، في حين يشتكي الأدباء من عتمة الحضور ووحشة الطريق وشظف العيش!
الجماهير تحتشد بنحوٍ يفوق التصوّر لالتقاء «نجم الأدب»، مثلما كنّا نشاهد ازدحام الناس لاستقبال نجوم الفنّ والرياضة، في الجزائر بالأمس، كما في المغرب والأردن والكويت من قبل. كل معرض للكتاب يحلّ فيه هذا الأديب يكتظّ بجمهوره الخاص.
لكن ثمة من لا يعجبه هذا الحضور البهيّ! يقولون إنّ الثقافة أصبحت «سلعة»، وإن البحث عن النجومية ليس شأن المثقفين، وغير ذلك... لكنّ المهم في شأن أسامة المسلم هي «عصاميته» الأدبية، وأنه بنى مجده الأدبي بنفسه دون الاعتماد على المؤسسات الرسمية والأهلية، ولم يصنع نجوميَّتَه النقادُ ولا الصحافةُ أيضاً، على العكس؛ كثير من هؤلاء أبدى ترفعاً واستعلاءً على تجربته، ولطالما رُبط حضوره الجماهيري وشعبيته الكاسحة بالثقافة الشعبية الهزيلة أو بعصر «التفاهة»، لأنهم يرون انكباب الناس على الأديب مجرد «تسويق رخيص»، لا ترضاه الثقافة الجادة والرصينة! الربط بين الحضور الشعبي الكاسح والمبهر لهذا الأديب وبين التفاهة والسطحية مجرد «اعتداء وتنمُّر» مشوبين بالحسد، وهو استخفاف بعينة جديدة نامية وتتوسع من الجمهور الثقافي، الذي أثبت أنه يقرأ ويتفاعل ويتواصل مع الكاتب، وهذه الثلاثة (القراءة، والتفاعل، والتواصل) هي كلّ ما يتمناه الكاتب، حين ينشر نصّاً.
الحقيقة أن على الواقفين على التلّ، يتندرون على ما يسمونها جماهيرية «السوشيال ميديا» أن يتواضعوا؛ ففي أقلّ التقديرات، اجتذب هذا الأديب جمهوراً جديداً لعالم القراءة لم يكن بمقدور أكثرهم أن يفعل ذلك.
ماذا عن المضمون؟ نجح المسلم في المحتوى مثلما نجح في الأسلوب؛ من حيث المحتوى قدّم روايات تمزج بين التراث العربي و«الفانتازيا»، ودمج الأساطير العربية مع عالم الخيال المعاصر، في قالب حديث ومشوق، كما في روايته «بساتين عربستان» و«وهج البنفسج»، ورواياته القصيرة، (النوفيلات): «جحيم العابرين»، و«أرض القرابين»، و«شبكة العنكبوت».
نصوص المسلم ممتعة ومتماسكة لغوياً، وهي تخاطب القراء مباشرةً بأسلوب يسير ومُبسَّط قريب من لغتهم ونمط تفكيرهم، يجد القارئ، خصوصاً الشباب، أن روايات المسلم تعبّر عن ذائقتهم الأدبية، وحسهم الفني، كأنهم يشتركون في صياغتها. اللغة هي الصلة الأولى التي تلامس ذائقة هذا النوع من القراء الشباب خاصةً، كما أن العوالم التي يُبحر فيها السرد وتنتقل بالقارئ إلى فضاءات يألفها من جهة ويعشقها من جهة أخرى، من خلال دراسته الأدب الإنجليزي، عرَّفته على أدب «الفانتازيا» أو الخيال المُبدع، وإذا تعلّق هذا الأمر بالأسطورة، فهل هناك أكثر من التراث الشرقي معيناً ينهل منه الحكاؤون في كتابة قصصهم؟ بدءاً من ملحمة «جلجامش»، حتى حكايات «ألف ليلة وليلة»، مروراً بقصص الفرسان والمحاربين والعشاق والمغامرين...؟!
الجديد أنه استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لخلق التفاعل المباشر مع قرائه. نجح في مخاطبة الشباب عبر الوسيلة التي يستخدمونها. لم ينتظر دعوة من أندية الأدب، وجمعيات الثقافة، وملاحق الصحف... اتجه مباشرة إلى الجمهور عبر التقنيات الرقمية الكاسحة التي لا تعرف الحدود والقيود والتراخيص ومزاج المشرفين والنقاد. ومثلما نجحت شبكات التواصل في كسر احتكار وسائل الإعلام، نجحت أيضاً في كسر النمطيات التقليدية التي تضع سلالم خاصة للوصول نحو الثقافة، وتتحكم فيها. أصبح بإمكان الشباب قطع المسافة نحو النصّ ونحو الكاتب أيضاً بلمسة زرّ، فما بالك إذا كان النصّ شيقاً والكاتب مثيراً للدهشة!
في قراءته لـ«ظاهرة أسامة المسلم»، يلاحظ الدكتور عبد الله الغذامي، أن هذه الحالة «هي ثورة احتجاج على النص النخبوي الذي تسبب في عزوف الجيل عن القراءة حتى إنها لَتُوهِمُنا بأننا أمام موت الكتاب والكتابة. وكل ما نحتاج إليه الآن هو ألا نستعيد خطيئة أسلافنا حين قتلوا (ألف ليلة وليلة)، وعلينا أن نعترف بأن الكتابة تنتصر على قامعيها وتعرف كيف تعلن عن نفسها بأصدق صور التعبير وأكثرها تلقائية، كما حدث لتزاحم الناس وإغماءاتهم حيث تتقطع الأنفاس لتكتب لغتها الخاصة وتدشن نصها المختلف»، وهنا يعلّق الكاتب والأكاديمي الدكتور مبارك الخالدي بأن «التفات د. الغذامي إلى إحدى روايات أسامة المسلم هو التفات إلى (المهمّش)، وهذا متسق تماماً مع كونه ناقداً ثقافياً، معنياً بشكل رئيسي بتحطيم الحدود بين الثقافتين العليا والدنيا، و(تفكيك التراتبية الهرمية التي ينطوي عليها ذلك التمييز) كما تقول جوهانا م. سميث وروس سي. ميرفن، في (ما النقد الثقافي؟)».