العالم يغلي على فوهة بركان حرب ثالثة افتراضية ربما أو حقيقية. ونحن في لبنان نحترق بلهب حروب العالم على أرضنا منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. والأعياد تتكرّر في ظلّ ظروف صعبة تسوء من عام إلى عام مالياً واقتصادياً واجتماعياً واستشفائياً وتربوياً... والآن (وراهناً) مأساوياً وأمنياً. لكن رغم ذلك كله تبقى الأعياد مناسبات مفرحة خاصة إذا كانت أعياداً مقدسة، حيث احتفل المسيحيون الغربيون هذا العام بعيد الفصح المجيد، الأحد، الحادي والثلاثين من مارس (آذار) 2024، وفقاً للتقويم الغربي، واحتفل المسلمون في الحادي عشر من شهر أبريل (نيسان) بعيد الفطر المبارك، وسيحتفل المسيحيون الشرقيون في الخامس من مايو (أيار) المقبل بعيد الفطر الشرقي وفقاً للتقويم الشرقي.
يُعرف عيد الفصح باليونانية بـ«Ma’oxa» وبأسماء عديدة أخرى، أشهرها عيد القيامة، أو أحد القيامة، وهو أعظم الأعياد المسيحية وأكبرها، ويستذكر باحتفال ديني ومدني. تاريخ العيد متنقّل يتغيّر بحسب التقويمين الغربي والشرقي، ويتمثل بعطلة رسمية في العديد من دول العالم في أسبوع أو «جمعة الآلام» ويحتفل بعيد القيامة أو الفصح في قداس نصف الليل، والهجمة، والبيض الملوّن.
يرتبط عيد القيامة المسيحي عضوياً بعيد الفصح اليهودي في كثير من رمزيته، ولم تُشتق كلمة عيد القيامة (Easter) بالإنجليزية و«Oslern» بالألمانية من «فيساح» أو «بيساك»، أي الكلمة العبرية للفصح، ولكن من الاسم القديم لشهر أبريل، وغالباً ما يتوافق عيد الفصح اليهودي مع عيد الفصح الغربي. لكن تم انفصال المسيحيين عن الأعياد اليهودية في العصور الأولى للمسيحية، حيث جرت مراجعة توقيت عيد الفصح المسيحي في «مجمع نيقية» الذي يقع في الشمال الغربي لآسيا الصغرى، وهو أحد المجامع المسكونية السبعة وفقاً للكنيستين الرومانية والبيزنطية، الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين عام 325م. وأثبت المجمع قانوناً لم يزل مطبّقاً حتى الآن، وينصّ على أن عيد الفصح يقع في الأحد الأول الذي يلي بدر الربيع، فكان هناك عنصران لتعيين الفصح: عنصر شمسي، وهو 21 مارس، يوم التعادل الربيعي، وعنصر قمري، وهو 14 من الشهر القمري.
وهذا يعني أن يكون الأحد الذي يلي الربيع هو عيد الفصح عند جميع المسيحيين، كما جاء في رسالة الإمبراطور قسطنطين إلى الأساقفة المجتمعين في «نيقية» بأنه من غير المناسب أن يُتبع تقليد أو حساب اليهود الذين عمت قلوبهم وعقولهم. وهكذا أعطى المجمع لكنيسة الإسكندرية الحقّ في تعيين يوم الفصح. وهو ما اعتمده «مجمع نيقية»، وتتبعه جميع الكنائس في العالم الآن.
عيد الفصح هو ذكرى لآلام السيد المسيح (النبي عيسى) يحتفى بها المسيحيون منذ أكثر من ألفَي عام، بينما عيد الفصح عند اليهود «بيسح» هو عيد رئيسي مذكور في التوراة ويحتفل به في ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى (عليه السلام) هرباً من الفرعون رمسيس الثاني أو ربما ابنه مرنباح (تولى الحكم 1290 - 1244 ق.م) (1224 - 1214 ق.م) أو ربما غيرهما. وكلمة «بسيح» تعني العبور، لذا يُعتبر الفصح مشتركاً بين اليهود والمسيحيين مع اختلاف الرمزية والدلالة والمواعيد بينهما؛ إذ يرمز عند اليهود لخروجهم من مصر وحصولهم على الحرية بعد العبودية في ليلة الفصح، بينما في المسيحية يرمز لآلام السيد المسيح وما لقيه من أذى.
ووفقاً للديانة المسيحية، يُفترض أن يصوم المسيحيون أربعين يوماً قبل عيد الفصح: من أربعاء الرماد (أي أول يوم من زمن الصوم) الذي يرمز إلى التوبة، حتى يوم عيد القيامة. فعيد القيامة هو تحقيق رسالة السيد المسيح على الأرض. وتختلف الطقوس والاحتفالات بعيد القيامة في المسيحية الغربية من حيث الاحتفال الكنسي «الليتورجي» صلاة الكنيسة العلنية، بحسب المجمع الفاتيكاني الثاني، وهي القمة التي يرتفع إليها عمل الكنيسة؛ إذ نرى في عيد القيامة أن الرومان الكاثوليك واللوثريين والإنجليكانيين يحتفلون بعيد القيامة في ليل سبت النور، بينما تحبّذ بعض الكنائس الاحتفال به صباح الأحد في الكنائس البروتستانتية.
أما بالنسبة لعادات وتقاليد الاحتفال في البلدان التي فيها المسيحية دين الدولة، فغالباً ما يكون الفصح عطلة رسمية، وتتميّز الزينة بالألوان الزاهية المختلفة التي يطغى عليها اللون الأصفر الذي يرتبط بنظرية الخصوبة، خصوصاً عودة الدجاج لوضع البيض، وتفقيس الفراخ، والتكاثر، وتلوين البيض، رمزاً لعودة الحياة إلى الطبيعة في فصل الربيع، حيث إن الملوك والأمراء المسيحيين كانوا يوزعون البيض على الفقراء.
كما يرتبط أرنب الفصح بقصص شعبية؛ عن أنه يأتي بالبيض للأطفال. ومنذ عام 1600م ارتبط الأرنب بالفصح في لعبة انتقلت من ألمانيا تُسمى لعبة «البحث عن الكنز»، وهي لعبة يمارسها شعب دول الشمال الإسكندنافي في الفصح متنقلين في الغابات القريبة. وعادة ما يحتوي الكنز على البيض والشوكولاته وغيرهما مما يضعه الأرانب هناك. ويرتبط لحم الضأن بالفصح ارتباطاً وثيقاً في العالم المسيحي، حيث إن للحمل قصصاً شعبية كثيرة، أهمها تبنّي المسيحية في أوروبا لقصة الفصح اليهودي التي تقول إن النبي موسى طلب من اليهود في مصر دهن دم الخراف على أبواب بيوتهم.
ترى، هل سيحتفل الفلسطينيون بعيد الفصح في بيت لحم السنة المقبلة!!
* باحثة لبنانية