عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

فرقة المراقبين الفيسبوكيين

دأب بعض مستخدمي الفيسبوك على تكوين فرق لانتقاد غيرهم من المشتركين، قد يكون الانتقاد بسبب تدوينة أو صورة وهو شيء مسموح به إذا كان الحساب مفتوحا للجميع، أو إذا كان المعلق من قائمة الأصدقاء. ولكن الأمر اللافت هو الرقابة التي تفرض على أي شخص يقرر أن يؤيد موقفا أو يغير صورة البروفايل ليعبر عن قضية عالمية. ويختلف الأمر عندما يكون الاعتراض من شخص مقرب أو صديق فهو مقبول ويفتح مجالا للحوار، أما أن يكون من أحد الأصدقاء "الافتراضيين" الذي يحسون بضرورة "تقويم المعوج" فهو لا يتعدى الرقابة والوصاية الفكرية.
وحتى لا يكون كلامي غامضا سأضرب بعض الامثلة؛ عندما توفي الفنان نور الشريف منذ أشهر، كتب الكثيرون في صفحاتهم على الفيسبوك عبارات الرثاء والتقدير لممثل أحبوه، بغض النظر عما إذا كان أصدقاء صاحب الصفحة من محبي الفنان أم لا. على الفور ظهرت تعليقات تنهر كل من اختص الفنان الراحل ببضعة أسطر، وتزجرهم لأنهم لم يفعلوا نفس الشيء مع الشيخ الفلاني الذي رحل بالصدفة في نفس اليوم. ولأن الزجر لا يكفي، فقد لجأ "المراقبون الفيسبوكيون" للابتزاز المعنوي والعاطفي، محاولين إثارة الشعور بالذنب في كل من اختار أن يتوجه بعبارات تعبر عن حزنه لوفاة شخص قريب من نفسه.
فرقة "المراقبين الفيسبوكيين" التي قررت تعيين نفسها في هذا المنصب، لا تترك مناسبة إلا واستغلتها لزجر المستخدمين، وتستخدم لذلك أساليب عدة. وآخر تجليات الفرقة ظهرت مع الحوادث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، فعلى عادته يضع الفيسبوك فرصة لمن يريد أن يغير صورة البروفايل لتحمل علما أو صورة مرتبطة بحدث عالمي ما ليبدي تضامنه أو تعاطفه. وعندما قرر كثيرون استخدام تلك الخاصية (وأنا منهم)، ظهرت الفرقة في أشكال مختلفة كلها تلوم على مستخدمي الموقع استخدام علم فرنسا، ذاكرين أن هناك أماكن أخرى في العالم يتعرض لها الناس للقتل والإرهاب ولم يتضامن معهم أصحاب هذه الصفحات. وأقول بالفعل هناك حوادث إرهابية تحدث كل يوم في بلداننا وفي غيرها، ولكل منا الحرية في أن يعلق على ما يشاء من أحداث بدون أن يخاف من عين "الأخ الأكبر" القابعة بين صفحات الفيسبوك. بالنسبة لي كان الأمر من وحي اللحظة، قررت فيها أن أظهر حزني على عالمنا المعاصر وعلى ما وصل له، فاستخدمت ذلك الرمز، وبعد ذلك استبدلته بصورة لحمامة السلام على أمل أن تحل نسمات السلام على عالمنا المشتعل بنار الكراهية والتعصب.
نقطة أخيرة: لن تخلق "فرق الرقابة الفيسبوكية" تلك تعاطفا أكثر مع هذه القضية أو تلك بحملاتها المستمرة. ما يقرر المواقف المعلنة لكل شخص هو الشخص نفسه فقط.