د. عبد الله فيصل آل ربح
أكاديمي سعودي, أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية جراند فالي الأميركية, وزميل أبحاث غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. نشر العديد من الأبحاث المحكمة في دوريات رصينة, إضافة لنشره لعدة دراسات في مراكز الفكر بواشنطن. ومن أهم إصداراته كتاب «المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو: تغطية المملكة في القرن العشرين»
TT

مراهنات على الوهم

استمع إلى المقالة

مع قرب الانتخابات الأميركية، ينشغل الرأي العام العالمي بهوية المرشحين ومن يكون الأقرب منهم للرئاسة. وعلى الصعيد العربي، يتداول كثير من المتابعين الشأن الانتخابي الأميركي على أساس أمنيات يعلقونها على الرئيس المنتخب ليحل مشاكلهم الإقليمية أو الوطنية.

في هذا الصدد، يتداول البعض عبارات حول إجراءات سلبية محتملة ضد بعض الحكومات والدول في منطقة الشرق الأوسط، ويتم التعامل مع هذه الإشاعات وكأنها واقعة لا محالة، ولو تساءلنا حول مصدرها، فإن الردود ستكون حالمة من نسج خيال قائليها، فهم يراهنون على شهامة مزعومة لبايدن أو ترمب تماماً كما سبق وراهنوا عليها عند أوباما، وراهنوا على بوش الابن عن طريق وصفه بالعدوانية والتهور، ورغم مضي الرؤساء السابقين دون أن يحققوا لمسوّقي هذه الأخبار أحلامهم، فإنهم يعيدون تسويق بضاعتهم مع إطلالة كل رئيس دونما تجديد يذكر.

مسوقو هذه الأوهام ليسوا مجرد حالات استثنائية، بل هم نتيجة طبيعية لإحدى بُنى العقل العربي المفعمة بالرومانسية، والتي تصوغ نماذج مثالية في أذهان أصحابها مع اعتقاد جازم أنها ستنعكس على الواقع، فهم يتعاملون مع شؤون بلدانهم الداخلية بشكل سلبي عن طريق التفكير الناقم الذي يشحن النفس بالسخط، دونما تفكير في حل جذري للمشكلات التي يزعمون أنها تؤرقهم.

إن هذا النوع من التفكير لا ينتج حلّاً وإنما يزيد جذوة النقمة في نفوس أصحابه، مع تفاقم شعور بالعجز لا يهدّئ من ألمه إلا فكرة انتظار السوبرمان، وليس بالضرورة أن يكون هذا السوبرمان شخصاً خيّراً في نظرهم، فقد يكون شخصاً شرِّيراً لكنه قادرٌ على الانتقام لهم من أعدائهم، وهذا بالضبط ما ينتظرونه من الرؤساء الأميركيين الذين يتعاقبون على البيت الأبيض.

يتخيل هؤلاء أنهم يملكون قضايا عادلة لدرجة أنه لا يستطيع أحدٌ إنكارها، وعليه، فإن رؤساء الدول العظمى مطالبون بالوقوف معهم لحل مشكلاتهم، متناسين نقطتين مهمتين، الأولى: أن الدول العظمى تدار عن طريق مؤسسات وليس أفراد، وأن هذه المؤسسات ترعى المصالح القومية العليا، والثانية: أن الدول الشرق أوسطية لها سيادة في الداخل ولا تأتمر بأمر الدول الكبرى بالشكل الذي يراه هؤلاء، ولكنها تتناغم مع الدول العظمى بمقدار مصالحها السياسية.

وبناء على النقطتين السابقتين يستطيع المرء أن يطرح سؤالاً على الحالمين: لماذا تخاطر دولة عظمى بعلاقتها الجيدة والمستقرة مع دولة ما من أجل أن تنصر قضيتك؟... بمعنى آخر: ماذا ستقدم أنت لإدارة الرئيس الأميركي ليقوم بتغيير موقف بلاده ويستخدم الموارد التي تمولها ضرائب المواطنين الأميركيين لدعم موقفك؟ العلاقة بين الدول الكبرى ودول المنطقة تقوم على توازن المصالح وليس المثاليّات التي يتخيلها بعض الحالمين ويرتبون عليها أمنيات لم تتحقق في الماضي ولا يوجد ما يشير إلى إمكانية تحقيقها في المستقبل، فالشأن السياسي يقوم على الوقائع العملية وليس على الأمنيات الرومانسية.