التطورات المتلاحقة لقصة الإعلامية المصرية ريهام سعيد، والمطالبات بالتحقيق معها إثر نجاح المطالبات بوقف برنامجها «صبايا الخير»، كل ذلك يعني أن الجمهور ما زال متابعا وما زال هناك من يريد للإعلام أن يكون هادفا ونظيفا.
بداية، متابعتي لبرنامج المذيعة المذكورة لم تتعد حلقة حول اللاجئين السوريين في لبنان، وكانت الحلقة برأيي سقطة على كل المستويات، المهنية والشخصية والأخلاقية، وربما كانت الحلقة هي كل ما أحتاجه لإقناعي بعدم مشاهدة المزيد من الحلقات الأخرى.
ولكن بعد الضجة الأخيرة حول البرنامج، الذي استضافت فيه فتاة تعرضت للتحرش، وقررت أن تنصّب من نفسها قاضيا وجلادا لتعلن أن الفتاة «تستاهل» ما حدث لها، مستعينة على حكمها هذا بعرض صور خاصة للفتاة تم تسريبها من هاتفها المحمول، لم أستطع تصديق الكثير مما ورد على مواقع التواصل حول الحلقة، فقررت مشاهدتها، وللأسف كان كل ما ورد صحيحا. لاحظت وجود قائمة بحلقات البرنامج على يوتيوب، كلها توحي عناوينها بإعلام أصبح يستجدي المتابعين بقصص التحرش والاغتصاب والجن، يقدمها للجمهور العريض، مرتديا زي الواعظ والقاضي، ولكن من دون اللغة الوقورة الجادة، وإنما بأسلوب مبتذل لا يعبأ بالخصوصيات أو الحرمات أو حتى القوانين. وكمثال لما أقوله هناك حلقة حول طفلة لا تتعدى الثالثة تعرضت لاعتداء جنسي من والدها، قامت المذيعة بتصويرها والحديث معها حول أدق التفاصيل بأسلوب رخيص جدا امتهن الطفلة وتاجر بمأساتها.
السؤال هنا، هل الحملات التي اشتعلت على مواقع التواصل الاجتماعي لوقف البرنامج والضغط على الشركات الراعية له للتوقف عن الإعلان، هل هي كافية؟ نجحت مرحليا تلك الحملات في إيقاف البرنامج واستقالة المذيعة، وهو أمر كما أشار الكثيرون يدعو للثقة بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي وتطور الوعي لدى المشاهد العربي.
تبقى النقطة الأهم التي انشغل الجميع عنها، وهي أن المذيعة لم تعمل في فضاء وحدها، كان لديها فريق معدين ومخرج وقناة بأكملها استفادت من برنامجها، هل يكفي اعتذار القناة الذي صدر أول من أمس للتكفير عن الضرر الذي أصاب الطفلة ذات الأعوام الثلاثة أو الفتاة ضحية التحرش؟ ألم تستفد القناة لشهور من الأرباح التي تدرها الإعلانات؟ ألم يشاهد المسؤولون عنها الحلقات السابقة التي تتنافس في ما بينها على أسوأ مستوى إعلامي؟ لماذا تختصر القضية في شخص؟ ستذهب المذيعة الآن لا شك، ولكنها حتما ستعود من نافذة أخرى، فالأمر أكبر منها، هي حالة إعلام عربي لم يعد يهتم بالقواعد والقوانين المرعية، وضرب عرض الحائط بالمهنية وميثاق الشرف الإعلامي. لا يحتاج المرء سوى إلى أن يتصفح الإنترنت على المواقع العربية، سواء تلك الخاصة بالمجلات والجرائد العربية، أو الصفحات الخاصة بالقنوات العربية الشهيرة، سيجد كماًّ من المحتوى التافه الذي لا يستحق النشر، الأمر المحزن أن تلك المواقع تجد المتابعين، وتجد من ينشر أخبارهم عبر وسائل التواصل. ولا أعرف من هو أكثر مسؤولية عن الحال التي وصلنا إليها، ولكن في النهاية نحن أمام أزمة حقيقية، نتمنى من الله المخرج منها.
8:7 دقيقه
TT
أزمة الإعلام العربي ليست فقط ريهام سعيد
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة