هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

باكستان على موعد مع التغيير في انتخابات أكتوبر!

استمع إلى المقالة

باكستان مشغولة هذه الأيام بالتحضير لانتخابات برلمانية قبل نهاية العام، وباختيار رئيس وزراء يشرف عليها، وبترشيح أسماء متفرقة ليتولى أحدها تشكيل أول حكومة بعد الانتخابات، ثم إنها مشغولة على الأخص بوضعها الاقتصادي.

في الأيام القليلة الماضية، توصلت الحكومة الباكستانية إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي. هذا الخبر الجيد صار يعدُّ من النوادر في ذلك البلد الجنوب آسيوي الذي يتخبط.

في الوقت نفسه، أُقيل العديد من ضباط الجيش؛ لفشلهم في قمع أعمال الشغب في 9 مايو (أيار) الماضي، وكانت تدابير الجيش القوية ضد رئيس الوزراء السابق عمران خان، السبب في أعمال الشغب تلك.

يقول لي مصدر غربي متابع: قد يبدو أن حملة الجيش كانت فعالة في تقويض خان وتفكيك حزبه السياسي، ولكن العواقب طويلة الأجل يمكن أن تكون خطيرة. تم هدر الكثير من الوقت في المناورات السياسية البشعة، في حين يجب التركيز على الاقتصاد؛ لأن الفشل في معالجة المشاكل الاقتصادية قد يؤدي إلى اضطرابات شعبية، ويسبب بعض المعضلات الخطيرة للجيش. صُممت الأحداث في باكستان منذ شغب 9 مايو لمنع خان وحزبه المعارض «حركة الإنصاف الباكستانية» من المنافسة في الانتخابات المقرر إجراؤها قبل شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وكانت لجنة الانتخابات الباكستانية قالت يوم الجمعة الماضي، إنها مستعدة لإجراء انتخابات عامة قبل 11 أكتوبر إذا أكملت الجمعية الوطنية فترة ولايتها الدستورية.

كان مقدراً أن يحقق حزب «حركة الإصلاح» فوزاً ساحقاً في اثنتين من المقاطعات الأربع في باكستان ويشكل الحكومة الفيدرالية التالية، فجاءت أحداث مايو لتصب لمصلحة الجيش، مع صورة مقر إقامة قائد الفيلق في لاهور والنيران تأكله. منذ ذلك الحين، صارت الحملة على الإصلاح قاسية، وتعرض معظم أركان الصف الأول من فريق عمران لضغوط لمغادرة الحزب، كما تم احتجاز الآلاف من النشطاء الموالين له، وطلب من الصحافة عدم ذكر عمران خان بالاسم، حتى المحاكم، التي أظهرت حتى الآن بعض الاستقلالية، أدركت أن الوقت الحالي ليس مناسباً لتحدي رئيس أركان الجيش الجنرال عاصم منير.

يقول محدثي: تمكن عمران خان من إجراء مقابلة مع مجلة «نيوزويك» في اليوم التالي لأعمال الشغب، أشار خلالها إلى الاقتصاد والفساد وسيادة القانون والديمقراطية ونظريات المؤامرة التي اشتُهر بها حول الجيش ومؤامرة أميركية لإطاحته. اللافت أنه لم تعرب أي دولة أجنبية عن قلقها الشديد إزاء تصرفات الجيش، وقد يعود ذلك لعدة أسباب؛ منها: هناك حكومة ائتلافية عاملة يقودها المدنيون في باكستان تكافح مع مأزقها الاقتصادي، ولكنها تتعامل مع شؤونها الخارجية ببعض المهارات. أيضاً: باكستان بلد مهم عالمياً يبلغ عدد سكانه 230 مليون نسمة، في موقع استراتيجي جغرافي مهم، ويملك أسلحة نووية، ويكاد النسيان يمحو ذكريات دورها الأخير في هزيمة قوات «الناتو» في أفغانستان.

أيضاً لا تحرص الحكومة الباكستانية، ولا الجيش، على رؤية باكستان تسقط بالكامل في المدار السياسي للصين. طبعاً ستحتفظ باكستان بعلاقاتها الوثيقة مع بكين، ولكن الباكستانيين يستمتعون بعلاقاتهم المتعددة بالغرب، ولا يزال الجيش الباكستاني يقدر صلاته بالولايات المتحدة.

حسب المصدر الغربي، هناك فكرة تتنقل في العواصم الغربية هي أن الهند قد لا تُثبت أنها الشريك الاستراتيجي الموثوق به على المدى الطويل المتوخى، وهي تركز الآن على عدم الانحياز أو الانحياز المتعدد، كما أظهر موقفها من روسيا بعد غزو أوكرانيا، وليس لديها نية للانضمام إلى تحالف عسكري غربي ضد الصين. في مثل هذه الظروف، هناك حاجة مستمرة لمشاركة باكستان المستقرة.

كان عمران خان رئيس وزراء شعوبياً لا يمكن التنبؤ بما سيُقدم عليه. وما يصفه هو بأنه أسلوبه المنفتح والصادق في التحدث، تم تفسيره من قبل الآخرين على أنه مزعج ومسيء في بعض الأحيان. ربما أن خان لم يعر الطرق الدبلوماسية اهتماماً، ولذا كلفه حلفاءه في الخارج وكذلك في الداخل.

بالنسبة إلى الصين، ينصب الكثير من التركيز الحالي على أفغانستان حيث تركت الأحداث منذ عام 2021 بكين مع خيارات سياسية قليلة، ففي أعقاب انسحاب أميركا من أفغانستان تقوم الشركات الصينية بتأمين سلاسل التوريد لاحتياطيات البلاد الهائلة من مادة الليثيوم، التي تعتبر عنصراً أساسياً في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.

وحسب «واشنطن بوست» قدر البنتاغون سابقاً أن احتياطيات الليثيوم والمعادن الأخرى في أفغانستان يمكن أن تبلغ قيمتها تريليون دولار.

على كلٍّ، لا يزال الباكستانيون يهتمون بديمقراطيتهم، على الرغم من أن الجيش حكم البلاد ما يقرب من نصف تاريخها منذ الاستقلال. الانتخابات ستجري بعد الصيف، يقول المراقبون في باكستان إن بيلاوال بوتو زرداري (34 عاماً) هو الخيار المفضل للجيش كرئيس ثابت للوزراء. إنه ابن بنازير بوتو التي اغتيلت ويُنظر إليه على أنه قليل الخبرة بما يكفي ليكون مرناً (ويوم الاثنين الماضي في مكالمة هاتفية، ناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع زرداري بصفته وزيراً لخارجية باكستان الانتعاش الاقتصادي ومخاوف الأمن الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بأفغانستان). أيضاً البديل قد يكون مريم نواز، ابنة رئيس الوزراء السابق نواز شريف البالغة من العمر 49 عاماً، ولكن يُطرح حولها كثير من الأسئلة، وارتبط اسمها بفضيحة أوراق بناما. التصور هو أن يتم تقديم الجيل الجديد من القادة للجمهور كتغيير جذاب. لكن يبقى عمران الأكثر شعبية.

يقول المصدر الغربي: علاوة على ذلك، فإن أكبر قضية في باكستان في الوقت الحاضر ليست الأذى السياسي، ولكن الأزمة الاقتصادية. مع التضخم بنسبة 38% ومعظم السكان يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم المعيشية، لا بد أن تكون هناك عواقب سياسية. إذا لم يعد عمران خان وحزبه متاحين كقناة لجوء، فسيختار الناس وسائل غير ديمقراطية للتعبير عن إحباطهم وغضبهم.

يضيف: وضعت تصرفات رئيس الأركان عاصم منير القوية الجيش في موقف صعب. كان الجيش يتمتع دائماً بشعبية في باكستان وخاصة في البنجاب. إذا تعرضت سمعته لأي سوء فسيشعر بقلق كل من كبار الضباط وصغارهم. إنها ليست مجرد مسألة ضمان ولاء الجنود، يمكن أن يؤدي المأزق الحالي إلى قيام الجيش بعمل عنيف ضد المتظاهرين في البنجاب، وبالتالي يصبح عدائياً بشكل متزايد تجاه سكانها.

على كلٍّ، الاستعدادات للانتخابات بدأت وأثارت كثيراً من اللغط؛ إذ اقترح حزب رابطة المسلمين الباكستانيين في نهاية الأسبوع تعيين وزير المالية إسحاق دار رئيساً مؤقتاً للوزراء ليشرف على الانتخابات، أثار هذا إدانات ومخاوف بشأن «حياد» الإشراف، حيث إن دار ليس فقط وزيراً في الحكومة الحالية، ولكنه أيضاً زعيم رئيسي في رابطة نواز شريف وأحد أقربائه.