عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

الأسد سيسيل وكلب الهرم

ثارت ضجة عقب نشر خبر قتل الأسد سيسيل، وهو من نجوم حديقة سفاري في زمبابوي، على يد طبيب أسنان أميركي له هواية الصيد البري، وليس أي صيد؛ فهو من هواة المغامره وصيد الحيوانات البرية الضخمة. الخبر ان الطبيب واسمه والتر بالمر قام بدفع خمسين ألف دولار لمرشدين في زمبابوي للحصول على تصريح بقتل أسد، وحتى الآن الخبر يدل على شخصية تهوى المطاردة واحساس الصياد المتفوق، وأيضا تعكس شخصا يعشق التفاخر. بالفعل حصل الطبيب على ما يريد من تصاريح وقام مساعدوه باستدراج الأسد سيسيل من حديقة السفاري بعد أن ربطت جثة حيوان ميت بسيارة الصياد. الأسد التقط الطعم وحان وقت المتعه للدكتور بالمر فاطلق سهمه على سيسيل الذي أصيب إصابة بالغة اختفى على أثرها. ولكن الطبيب الصياد استمر وفريقه في البحث عن الأسد الجريح حتى وجدوه بعد يومين وقام بالمر باطلاق الرصاصة القاتله عليه. عرفنا بعد ذلك أن الفريق سلخ جلد سيسيل وقطع رأسه ليضيفها دكتور بالمر الى مجموعته من رؤوس الحيوانات التي صفها على جدار بيته.
قد لا يرى القارئ في الخبر ما يصدم، فالعالم مليء بقصص القتل والدمار التي حلت ببلاد وعائلات وأطفال، وكثيرون لن يجدو في قصة سيسيل سببا للاستنكار. وبالفعل سمعت وقرأت تعليقات كثيره حول ذلك "العالم يستهجن قتل أسد، وأطفال وعائلات تباد في العالم العربي .. فأين الاستنكار؟" التساؤل برأيي غير منصف ويخلط الأوراق بشكل يستهين بالميول الإجرامية لدى من يعذبون الحيوانات أو يتلذذون بصيدها للمتعة فقط.
ولا أدري إذا كانت موجة الاستنكار (العربية غالبا) قد تناسى أصحابها الضجة التي ثارت في لبنان مؤخرا بعد أن قام بعض عناصر الأمن بتعذيب حمار حتى الموت، أو عندما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي لقطات مصورة لشخص يقتل كلبا في منطقة الهرم بالقاهرة، وبالفعل تمت محاكمة الاشخاص المتورطين في تعذيب الحيوان وقتله.
لا يعني استنكار تعذيب حيوان أو قتله أو حتى التفاعل مع قصة الأسد سيسيل أننا لا نشعر بالألم الشديد لما يتعرض له أهل سوريا وفلسطين وغيرها من بلداننا المبتلاة. هناك مثل إنجليزي يقول "خطئان لا يصنعان صوابا"، ولذلك فإن التغاضي عن القتل والتعذيب للبشر هو جرم وخطأ عظيم، ولكن أيضا التغاضي عن تعذيب الحيوانات والاستهانة بذلك هو أيضا خطأ وجرم لا يجب أن يبرر له. وإن فعلنا ذلك فنحن نتغاضى عن قسوة القلب وعدم الرحمة التي تجعل أي شخص يعذب حيوانا لا يستطيع النطق، ومن يقسو على حيوان يقسو على الإنسان إن وجد سبيلا. وفي التراث الإسلامي الكثير حول أوقاف خصص ريعها لرعاية الحيوانات المريضة، وعن أحواض مياه خصصت للدواب، وأوقاف للخيول المُسنّة، وأوقاف للطيور.
لنذكر فقط الحديث الشريف "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".