حان الوقت لمنح روسيا مخرجاً جانبياً... والصين يمكنها المعاونة

وانغ هوياو

الأحد - 10 شَعبان 1443 هـ - 13 مارس 2022 م

تتفاقم الخسائر البشرية في أوكرانيا، في الوقت الذي تواصل القنابل السقوط، وفرار أكثر عن مليوني لاجئ من القتال.
يبدو أن فلاديمير بوتين قد تحرك بناءً على افتراض مفاده أنه باستطاعته تحقيق نصر سريع، مستهيناً بذلك بالمقاومة الشرسة من جانب أوكرانيا. وبعد أسبوعين، تكثف روسيا هجومها على أوكرانيا، في الوقت الذي تكثف الدول الغربية بدورها عقوباتها المالية والاقتصادية ضد روسيا، بما في ذلك عن طريق إطلاق «الخيار النووي» المالي -إقصاء بعض البنوك الروسية عن نظام الدفع «سويفت». في غضون ذلك، وضع بوتين قواته النووية الفعلية في حالة تأهب قصوى.
الآن، نقف في خضمّ دوامة تصعيدية. ومن المرجح أن تزيد الضغوطُ المتصاعدة على بوتين الموقفَ خطورةً، مع شعور الرئيس الروسي بأنه مضطر لاتخاذ إجراءات متطرفة على نحو متزايد -مثل ما رأيناه في الأيام القليلة الماضية مع تكتيكات الحصار التي يفرضها الجيش الروسي وهجماته على المناطق المدنية.
الآن، حان الوقت لإمداد الزعيم الروسي، رغم عدم استساغة البعض في الغرب الفكرة، بسبيل للخروج من المأزق بمساعدة الصين. جدير بالذكر هنا أن الرئيس الصيني شي جينبينغ، عقد، الثلاثاء، قمة افتراضية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، وحثَّ على التوصل لحل دبلوماسي للأزمة.
من ناحية أخرى، ربما تحجم الولايات المتحدة وحلفاؤها عن إعطاء الصين فرصة الاضطلاع بأي دور في هذه الأزمة، خصوصاً أنهم ينظرون إلى بكين على أنها خصم استراتيجي. ويعكس هذا التفكير حمقاً وقِصر نظر، ذلك أن مخاطر الصراع المباشرة تفوق بكثير أي اعتبارات تنافسية. واللافت أن أوكرانيا نفسها ترى إمكانية لحل النزاع بقيادة الصين.
حتى الآن، دعت الصين إلى الحوار، وأكدت دعمها جهود المساعدات الإنسانية. إلا أن مصالح بكين في مزيد من المشاركة الفاعلة تتزايد يوماً بعد آخر.
المؤكد أن للصين مصالح اقتصادية كبيرة في إيجاد حل سريع للحرب الروسية - الأوكرانية. والمعروف أن الصين تتمتع بعلاقات قوية مع روسيا وأوكرانيا، وهي أكبر شريك تجاري منفرد لكلا البلدين، على الرغم من أن كلاً منهما تشترك في علاقات تجارية أكبر مع الاتحاد الأوروبي عنها مع الصين.
كما أن روسيا وأوكرانيا عنصران محوريان في البنية التحتية لمبادرة «الحزام والطريق»، بالإضافة إلى كونهما قناتين تجاريتين لتمرير تجارة الصين مع أوروبا. يُذكر أن نشاطات النقل عبر السكك الحديدية بين الصين وأوروبا زادت بمقدار مائة ضعف منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنّ الصراع الدائر الآن بين روسيا وأوكرانيا يهدد بعرقلة هذه التدفقات التجارية.
علاوة على ذلك، تتميز الصين بوضع فريد يمكّنها من العمل كوسيط محايد بين أوكرانيا، المدعومة من الغرب، وروسيا، خصوصاً أن بكين وموسكو تربطهما علاقات قوية ومتنامية، لا سيما في المجال الاقتصادي.
وأدى طلب الصين للموارد التي تمتلكها روسيا بوفرة -الغذاء والطاقة- بالإضافة إلى عدم الرضا المتبادل عن الحالة الحالية للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى الجمع بين البلدين على نحو متنامٍ. وتَعزز هذا التحالف عندما التقى بوتين نظيره الصيني، الشهر الماضي، وأصدرا بياناً مشتركاً يؤكد العلاقات العميقة بينهما ويعيد تأكيد أن شراكة بين البلدين لا تعرف «مناطق غير محظورة».
وليس من مصلحة بكين الاعتماد فحسب على تحالف مناهض للغرب مع موسكو. ربما تمتلك روسيا جيشاً قوياً، لكنّ اقتصادها يعاني من تدهور هيكلي طويل الأمد، في ظل إجمالي ناتج داخلي لا يفوق بكثير نظيره في إسبانيا. ورغم كل الحديث عن العلاقات مع موسكو، يجدر بنا أن نتذكر أن المصالح الاقتصادية للصين مع روسيا تتضاءل مقارنةً بتلك التي تتشاركها مع الغرب. ففي عام 2021 قفزت التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 36% مقارنةً بالعام السابق، لتصل إلى 147 مليار دولار -لكنّ هذا لا يزال أقل عن عُشر مجمل التجارة المشتركة مع الولايات المتحدة (657 مليار دولار) والاتحاد الأوروبي (828 مليار دولار).
حتى إذا لم تنضم الصين إلى العقوبات، فمن المحتمل أن تقلل الشركات والبنوك الصينية من مشاركتها مع روسيا لتجنب رد الفعل العكسي في الأسواق الأخرى الأكثر أهمية. وعندما تصبح روسيا معزولة عن الاقتصاد العالمي، لن ترغب الصين في تحمل العبء الاقتصادي لروسيا وحدها.
ربما تشكّل احتمالية وجود علاقة اقتصادية متنامية بين موسكو وبكين تهديداً للغرب، لكن من وجهة نظر بوتين، فإنها توفّر للصين نفوذاً تستند إليه في المفاوضات المحتملة، ففي وقت يواجه هو وبلاده عزلة متزايدة، فإنه لا يمكنه تحمل خسارة الصين هي الأخرى.
ثمة أسباب سياسية تدفع الصين نحو الرغبة في وضع نهاية لهذا الصراع تروق لجميع الأطراف المعنية. كلما طال أمد الحرب، زاد تحفيز التحالف الغربي تجاه فكرة المواجهة القائمة على القيم بين الشرق والغرب، ما يجعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تحالف أوثق، مع زيادة الميزانيات العسكرية حول العالم. هذا ليس بخبر جيد للصين، التي تفضل الحفاظ على العلاقات الاقتصادية المربحة مع الغرب وتركيز مواردها على التنمية المحلية.
في وقت تواجه فيه الصين انتقاداً عالمياً متزايداً لما تمارسه من انتهاكات لحقوق الإنسان، قد يساعد توسطها في إنهاء هذا الخلاف في تحسين موقفها مع الغرب. لطالما كانت بكين تحاول جاهدة إقناع النخبة من السياسيين ورجال الأعمال في أوروبا وأميركا بأن صعود الصين لا يمثل تهديداً، ويهدد دعم عدوان روسيا، بل حتى وإن كان دعماً متصوراً، بتقويض هذا الطرح. على العكس من ذلك، قد يساعد الاضطلاع بدور بنّاء في إنهاء الحرب في جعل الصين شريكاً استراتيجياً وليس فقط شريكاً اقتصادياً.
على المستوى الآيديولوجي، لدى الصين أرضية مشتركة مع كل من روسيا وأوكرانيا، وتقدّر الصين بعمق مبدأ سيادة الدولة ولطالما عارضت التدخل الخارجي فيما تعدّها شؤوناً داخلية مثل تايوان. دعا وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، خلال الشهر الماضي، مرة أخرى إلى الاحترام العالمي لوحدة الأراضي، حيث قال: «أوكرانيا ليست استثناءً». بهذه الطريقة يُضعف اجتياحُ بوتين على الأقل إحدى قيم الصين الرئيسية.
تشعر الصين، مثل روسيا، بالقلق من التأثير الغربي العالمي الداعم للديمقراطية، وحتى هذه اللحظة تجنبت وسائل الإعلام الصينية انتقاد روسيا، بل حتى تبنّت خطاب موسكو الخاص بالحرب. تتشارك الدولتان مظالم من جرّاء عداء ونفاق غربي متصوَّر، يساعد تصوير الاجتياح على أنه معادٍ للغرب وحلف شمال الأطلسي في تبرير فعل بوتين أمام جمهور محلي.
مع ذلك كلما طالت مدة الحرب، ربما تجد الصين نفسها في موقف تشهد فيه تراجع مزايا علاقتها المقربة مع روسيا، ويجعل ذلك الطرح الذي يقول بضرورة اضطلاع بكين بدور وساطة نشط، أكثر إقناعاً.
ما الشكل الذي قد تكون عليه الوساطة؟ لا بد أن يتضمن أي حل جاد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي كطرفين فاعلين أساسيين في الترتيبات الأمنية الأوروبية. قد تساعد بكين في التوسط في وقف فوري لإطلاق النار كتمهيد لمحادثات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين.
سيكون هدف بكين هو العثور على حل يمنح بوتين تطمينات أمنية كافية يمكن تقديمها كانتصار أمام جمهوره المحلي، مع حماية السيادة الجوهرية لأوكرانيا وسياسة الباب المفتوح لحلف شمال الأطلسي. يمثل العثور على مساحة توافق لمثل هذا الاتفاق تحدياً، لكنه ليس مستحيلاً. قد تحل بعض الدبلوماسية المبدعة هذا الأمر، مثل وضع صيغة لتوسع حلف شمال الأطلسي يستبعد عضوية أوكرانيا عملياً مع الحفاظ على سيادتها ومبادئ حلف شمال الأطلسي نظرياً. سيكون إتاحة حل متعدد الأطراف للأزمة في أوكرانيا تحدياً صعباً يتضمن مخاطرة، لكن لا توجد دولة أفضل من الصين للقيام بهذا الدور.