بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

أيتام «داعش» مَنْ يعينهم؟

إجرام «داعش»، التنظيم المتوحش باسم دين الإسلام - وهذا الجُرم هو الأساس في كل ما ارتكب من جرائم - عاد فتصدر عناوين الأخبار من خلال خبر أفغاني، وآخر عراقي. الأول تجسد في جريمة قتل مصلين أثناء صلاة يوم الجمعة الماضي بمسجد في مدينة قندوز، شمال أفغانستان. الثاني تمثل في إعلان مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء العراق، أول من أمس، اعتقال سامي جاسم الجبوري، مسؤول «داعش» المالي، نائب الزعيم المؤسس للتنظيم، أبو بكر البغدادي، والمقرب من القائد الحالي، عبد الله قرداش. يوجز الخبران حقيقة تصدم كل من اعتقد أن التنظيم انتهى بدحر قواته، وكذلك فلول من تبقى منها، بعدما كانت تتمركز في الموصل وما حولها، ومن ثم إنهاء وجود كيان سُمي «الدولة الإسلامية»، زعم القائمون عليه أنهم يريدون العودة بالمسلمين إلى نظام «الخلافة»، وتطبيق نُظِمها القائمة على الشرع الإسلامي، فيما أثبتت ممارساتهم أن همهم الأساسي هو إقصاء كل من يرفض منهجهم الإرهابي، بدءاً بالعالم الإسلامي ذاته، ثم إشاعة الذعر في نفوس غير المسلمين، في كل أركان الأرض، لمجرد ذكر الإسلام، الأمر الذي زاد من خطر التوجس خيفة من كل مسلم ومسلمة، وأطلق العنان أمام موجات ما اصطلح على تسميته «إسلاموفوبيا» كي تشيع، فيستغلها العنصريون في مجتمعات الدنيا بأسرها، حتى أنها بلغت أناساً مسالمين بطبعهم، كما أهل نيوزيلندا، مثلاً، الذين صدمهم أن يوجد بينهم من يكره المسلم لأنه مسلم. ذلك بعض من حصاد «داعش» الفظيع، الذي سوف يبقى، على الأرجح، ردحاً من الزمن ليس قصيراً.
ثمة جانب إنساني من المشهد المأسوي يوجب النظر إليه بنوع من التجرد الموضوعي القادر على الفصل بين الموقف الحاسم المطلوب إزاء إجرام «داعش»، وبين أوضاع الذين خلف مسؤولو التنظيم من ورائهم في مختلف الساحات، خصوصاً في مخيمات بالعراق وسوريا. هؤلاء أمهات وأطفال يواجهون حالات تعاني ضياع الهوية، مآسي أوجاع الأمراض، آلام الجوع، العطش لشربة الماء النظيف، تشتت الأهل، جفاف نبع العواطف، حرمان نعمة الأمل بغد أفضل، وعما قليل صقيع شتاء قارس. تُرى، ما الذي يمنع أن تُمد أيادي خير إنسانية للأطفال من أيتام «داعش» ولأمهاتهم، بهدف إعانتهم على إعادة التأهل كي يواصلوا حياتهم بأقل قدر مستطاع من معاناة ما أورِثوا، غصباً عنهم وليس بإرادتهم، من انعكاسات جرائم الذين تسببوا في وضعهم هذا؟ الاختيار الأسهل هو حصر مسؤولية الجواب عن السؤال في الهيئات الدولية. حسناً، ليكن، إنما أليس من الجائز أيضاً القول إن مؤسسات عدة في العالم الإسلامي، يحظى معظمها، وربما كلها، بدعم حكومي معتبر، يمكنها أن تؤدي دوراً مهماً ضمن هذا الإطار؟ بلى، يجوز مثل هذا الافتراض، بل يمكن المضي أبعد والقول إن واجب منظمات العمل الخيري الإسلامية يفرض عليها ألا تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعاني عائلات تنظيم «داعش» المجرم، حتى لو أن الغرض انحصر في حماية أولئك الأطفال من خطر التحول إلى قنابل حقد تسعى للانتقام ممن تركوهم للضياع، لسان الواحد منهم يردد القول الشائع: «هذا ما جناه أبي عليّ، وما جنيت على أحد».
لست أعني بما سبق، تحديداً، ضرورة التجاوب إيجابياً مع حالات نساء غُرِر بهن قاصرات، مثل البريطانية شميمة بيغوم، فالتحقن بتنظيم «داعش»، ويطالبن حالياً بالعودة إلى بريطانيا، فذلك أمر يحق للدول كافة أن تتعامل معه وفق معايير أمنية هي أقدر على تقديرها، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك دولاً بينها السويد وفنلندا وألمانيا وبلجيكا، وافقت على إعادة أطفال وأمهات من مخيمات لجوئهم إلى بلدانهم التي يحملون جنسياتها، بل أعني كذلك الاهتمام الجماعي بكل ما ترتب على جرائم ذلك التنظيم من مآسٍ يعاني تأثيرها النفساني المدمر أناس كثيرون، الأمر الذي يوجب تفعيل أحدث برامج إعادة التأهيل العلمية لعلاج الضحايا الكثر حيث هم وهن، الأطفال الذين تيتموا، والنساء اللواتي ترملن، إضافة إلى أمهات وآباء فُجعوا بفقدان أحباء لهم. خلاصة القول إن إجرام «داعش» دائم، لن يزول بيسر، ما دام تأثير الجرائم التي ارتكبها ضد الناس جميعاً، بلا اكتراث لأي قيم، إسلامية أو إنسانية، ماثلاً للعيون، يفضح زيف ادعاء ما قام أساس بنيانه الواهي عليه، وإلى ذلك فإن مهمة تصحيح ما نتج عن ذلك البهتان، تظل إنسانية، عموماً، وإسلامية خصوصاً.