وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

التعليم والاقتصاد: دعه يعمل... دعه يمر

قبل أن ندخل إلى صلب الموضوع، يجب أن نتفق على القاعدة التي تقول إن «الذين كانوا سبباً للمشكلة؛ من الصعب أن يكونوا جزءاً من الحل».
وعلى هذا الأساس؛ فلنتفق على أن التعليم الحكومي والإدارة الحكومية والبيروقراطية للتعليم (رغم أن الاقتصاديين يرون أن التعليم سلعة عامة يجب على الدولة توفيرها)، لن تكون المنقذ لاقتصادات المنطقة؛ بما في ذلك الاقتصاد السعودي، ومن الصعب تخيل نظام تعليمي حكومي يقود النهضة التعليمية أو يساهم في توفير فرص العمل.
وسأظل أسأل عند كل إعلان عن مشاريع وسياسات وخطط وبرامج تعليمية السؤال نفسه: «من الذي سينفذ كل هذا؟». ودعوني أشارككم خبرتي المتواضعة في هذا الموضوع من ناحية مؤسساتية؛ حيث إن غالبية المؤسسات عندما تريد أن تقوم بعملية تغيير كبرى لجلدها، فإنها تبدأ بوضع خطة كبيرة واستراتيجية جديدة؛ ولكنها لا تغير الأشخاص.
وليسمح لي القارئ بمشاركة بعض الخلفية حول هذا الموضوع من خلال ما درسته في دورة تنفيذية بإحدى أهم كليات إدارة الأعمال في العالم؛ هي «تك بزنس سكول». أتذكر جيداً عندما درسنا في بناء الاستراتيجيات أن التغيير في الأساس يكون في تغيير الأشخاص؛ لأن القدامى في الغالب ضد التغيير وضد الأفكار الجديدة. وأخذنا مثالاً على ذلك؛ هو عملية التحول الرقمي لصحيفة «نيويورك تايمز»...
عندما قررت الصحيفة التحول من الاعتماد على الطبعة الورقية إلى الطبعة الرقمية أحضرت شخصاً من خلفية رقمية؛ ولكنها للأسف أعطته فريق عمل من الطبعة الورقية، والنتيجة كانت... فشلاً واضحاً.
بعدها أبقت الصحيفة على الشخص نفسه على رأس الهرم، لكنها أتت بفريق جديد من خلفية رقمية وطعمته بعدد بسيط من خلفية ورقية، والنتيجة هي أن الصحيفة اليوم هي رائدة في الاشتراكات الرقمية بأكثر من 6 ملايين مشترك. وحتى ينجح التعليم؛ فيجب أن نبعده عن يد القطاع الحكومي، على الأقل التعليم الجامعي أو المختص ما بعد الثانوي، مثل المعاهد المختصة. الحل في يد القطاع الخاص وفي يد قواعد السوق الحرة التي تقوم على مبدأ «دعه يعمل... دعه يمر».
وأستغرب جداً عندما أسمع مسؤولين عن التعليم يتحدثون عن المواهب والأشخاص كأنهم قطع من الشطرنج، بالإمكان تحريكهم يميناً وشمالاً وإخضاعهم لبرامج تعليمية محددة وتخصصات محددة. الإبداع لا يحدده وزير أو وزارة وسوق العمل لا يمكن لوزير أو وزارة أن تخطط لها.
أصحاب الأعمال هم من يحددون نوع وطبيعة الأعمال والتخصصات التي يرغبون فيها. إن تخطيط التخصصات والمهارات من قبل أشخاص خارج السوق ومنظومة سوق العمل والشركات لا يفيد. قبل أعوام كانت الدول تريد مهندسين وأطباء، ثم هي اليوم تريد مبرمجي كومبيوتر وعلماء بيانات. في الأخير؛ إذا كان توظيف كل هؤلاء في قطاعات الدولة؛ فوقتها من حق الدولة أن تدعم وتختار ماذا تريد بما أنها الجهة الموظفة، لكن إذا كانت الدول تريد خلق عمالة معينة ومن ثم فرضهم على القطاع الخاص؛ فهذه كارثة.
إن شركات مثل «تويوتا» و«مرسيدس بنز» تدخل في صميم النظام التعليمي والمهني في اليابان وألمانيا، والطلاب يدرسون ما تحتاجه هذه الشركات. كذلك هو الوضع لـ«أرامكو السعودية» التي سخرت «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن» قدراتها لخدمة احتياجات الشركة.
من المؤسف أن نرى؛ بعد كل هذا الذي وصلنا إليه من نضج اقتصادي، تغييب القطاع الخاص عن بناء منظومة جديدة وأن نكرر فشل «نيويورك تايمز». وما دامت الأمور بيد الوزارات والهيئات، فإن النتائج ستكون بعيدة. لا أدعو إلى تغيير وفصل موظفي قطاع التعليم الحكومي، لكن أتمنى أن يدعوا القطاع الخاص يبحث عن حلول له بدعم منهم... «دعه يعمل... دعه يمر».