د. عبد الوهاب الروحاني
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية وزير ثقافة يمني سابق
TT

عن العلاقات العربية الإيرانية..

تنطوي العلاقات العربية - الإيرانية على تعقيدات تاريخية ومعاصرة مخيفة، فإيران في توتر وصراع سيطرة ونفوذ مع العرب منذ ما قبل التاريخ، واكتسب الصراع العربي - الإيراني إثر الفتوحات الإسلامية بعدا دينيا في ظل الدولة الصفوية مطلع القرن الـ16 الميلادي، التي فرضت «الجعفرية - الاثني عشرية» مذهبا رسميا للدولة، إلى جانب صراع الحدود والتهام الأراضي العربية؛ بدءا بالسيطرة عام 1925 على إقليم عربستان المعروف حاليا بـ«خوزستان - الأهواز» شمال الخليج العربي (أغنى مناطق النفط في إيران)، واحتلال الجزر الإماراتية (1971)، ثم محاولة السيطرة على كامل شط العرب، وكلها عوامل صراع وتوتر سحبت نفسها على العلاقات العربية - الإيرانية المعاصرة.
ومع مجيء ثورة الخميني عام 1979 ظهرت عوامل جديدة في الصراع العربي - الإيراني، ارتبطت بقضية تصدير الثورة واستمرار سياسة التوسع لغرض السيطرة في المنطقة العربية، وكان هذا العامل من أبرز مسببات نشوب الحرب العراقية - الإيرانية، التي استمرت 8 سنوات، وخلفت وراءها خسائر بشرية ومالية كبيرة أكلت الأخضر واليابس في البلدين، وشلت حيوية الحركة والحياة في المنطقة.
وإيران التي هي على خلاف تاريخي مع العرب، هي أيضا على خلاف تاريخي مع جارتها الغربية تركيا، فهي تتسابق معها على مناطق النفوذ الإسلامية القديمة، ليس فقط في المنطقة العربية، وإنما في آسيا الوسطى وبلدان الشرق الأدنى، وفي أفريقيا أيضا، ولذلك فقد استطاعت فعلا أن تخلق لها مواقع نفوذ في المنطقة العربية، فهي تتحكم بقوة بالقرار السياسي في العراق، وتخلط أوراق اللعبة الأمنية والسياسية في سوريا، ولبنان، واليمن، وترتبط بعلاقات خاصة مع حركة حماس في قطاع غزة، وتمتلك أوراقا عسكرية وسياسية تلعب بها في الخليج وفي أكثر من دولة عربية، خاصة مع الدول التي استفحلت فيها الخلافات السياسية، وولدت بدورها خلافات من نوع آخر، استنهضت معها الصراعات المذهبية والإثنية (العرقية)، والطائفية، وهو - في هذه الحيثية بالذات - عمل يتنافى مع قيم ومبادئ الأعراف السياسية والدبلوماسية في علاقات الدول بعضها ببعض.
أصبحت إيران تمتلك أوراق ضغط كبيرة، خاصة بعد أن قطعت شوطا مقلقا بشأن تطوير برنامجها النووي، الذي أصبح بدوره يهدد أمن وسلامة المنطقة، لكنها، وهي تعتبر نفسها دولة محورية في المنطقة، تسعى لأن تحافظ على إرثها التاريخي من السيطرة والنفوذ، وترتب أوراقها لأن تكون قوة إقليمية معاصرة، يكون لها رأي في تقرير مصير المنطقة.. ولذلك، فإيران وتحت تسميات وعناوين مختلفة تقاتل «داعش» في العراق، وتتحكم بشواطئ الخليج العربي، ومضيق هرمز، وتتحرك نحو باب المندب، وتوجد عسكريا في إريتريا، وعبر تنظيم «الشباب» في الصومال، كما توجد أيضا في السودان، والمغرب، وهذا مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي، يقول: «إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها (بغداد) حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي» !!
وهنا يمكن القول إنه من حق المسؤولين الإيرانيين أن يقولوا ما يشاءون، ومن حق إيران أن تحافظ على إرثها التاريخي والحضاري وفق ما تراه، كما من حقها أيضا أن تصبح إمبراطورية عظمى كما تشاء، ولكن في إطار دولتها وعاصمتها طهران وليس بغداد، وفي إطار احترام سيادة الدول وكرامة شعوبها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
ولكن دعونا هنا نكن صرحاء بعض الشيء مع أنفسنا ونقول، إنه لم يكن لإيران أن توجد بقوة في المنطقة العربية، وتمد أذرعها السياسية والعسكرية إلى أماكن مختلفة فيها، لولا أنها وجدت فراغا كبيرا لم يملأه العرب أنفسهم، الذين ظلوا - ولا يزالون - على تنافر وتراخٍ وتسويف في حل خلافاتهم السياسية الداخلية، بل استحسن بعضهم إثارة المزيد منها، وكما هي النتيجة اليوم في العراق، وسوريا، واليمن، وربما غدا في السودان، وفي دول عربية أخرى، فحيثما يوجد الفراغ في أي دولة عربية ستكون إيران جاهزة لتسده، ولكن بطريقتها الخاصة.
وإذن، فالعلاقات العربية - الإيرانية يمكن أن تستقيم ويسوى ملعبها، ولكن في إطار الندية والشراكة ومعالجة مختلف القضايا بالتفاهم والحوار المباشر، وليس بالضرورة عبر الوسطاء الأميركيين أو الأوروبيين، فالعلاقات العربية - الإيرانية هي علاقة جوار وفضاء جغرافي واحد، وبالتالي ليست كلها شرا مطلقا، فهناك مصالح اقتصادية وتجارية كبيرة متبادلة في الماضي والحاضر، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران ودولة العراق في عام 2013 أكثر من 12 مليار دولار، أما حجم التبادل التجاري بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي فيبلغ أكثر من 18 مليار دولار في العام الواحد، علاوة على أن العمالة الإيرانية توجد بكثافة في دول الخليج العربي، فهناك آلاف الشركات والمؤسسات التجارية الإيرانية العاملة، ويعيش ويعمل في الإمارات العربية وحدها - بحسب بعض التقارير - نحو نصف مليون إيراني، فضلا عن عشرات الآلاف في الكويت، وعمان، والمملكة العربية السعودية.
ولعل هذه العينة البسيطة جدا من الأرقام التي تبين حجم المصالح المتبادلة بين إيران ودول الخليج العربي - رغم التوترات السياسية والأمنية القائمة - تكون مدخلا لبناء جسور تواصل، وهي كفيلة بفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية - الإيرانية، التي يجب برأيي أن تغادر مفهوم العلاقات التاريخية (الثأرية)، فذلك هو الأجدى، وهو ما يجب أن يمضي فيه العرب والإيرانيون، خدمة لمصالحهم ومستقبل أجيالهم.