د. عبد الوهاب الروحاني
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية وزير ثقافة يمني سابق

الوحدة اليمنية.. وحملة تزييف الوعي!

يقول المثل الشعبي اليمني: «إذا سقط الثور كثرت السكاكين»، وللثور في النقوش اليمنية دلالة رمزية مهمة، فهو يرمز إلى القوة ويرمز إلى الرخاء أيضا، وهو إلى جانب الفلاح الذي أبدع في بناء وتشييد أعجوبة المدرجات الزراعية حوَّل السهول والجبال المعلقة في السماء إلى مروج خضراء، فنشطت الفلاحة وازدهرت الزراعة، فكانت اليمن الخضراء، وكان «اليمن السعيد».

المذهبية التي نرفضها!

في العالم المتحضر، وأعني بلدان «النصارى، والكفار، والملحدين، والوثنيين» يُعلمون أطفالهم كيف يطورون تكنولوجيا المستقبل وإنتاج الروبوتات الأذكى، ويعلمونهم تقنيات علم النانو الذي يراهنون به على إحداث نقلة نوعية في حياة الإنسان، ويعلمون أبناءهم طرق التباين والاختلاف، بينما نحن في عالمنا العربي والإسلامي (المتخلف) نعلم أطفالنا - على أيدي فقهاء متحجرين، ودعاة مشوهين ومرضى نفسيين - كيف يكرهون الآخر، وكيف يعادون بعضهم من المذاهب أو الاتجاهات التي تخالفهم (سنية أو شيعية)، وكيف يفجرون المساجد وبيوت الخصوم ويحزون رؤوس البشر بالسيوف والسكاكين حزا، وهم يتلذذون بسادية مخيفة، وقبح ووحشية لم يحدث لهما مثيل في

العرب.. والنووي الإيراني!

أصبحت إيران اليوم - شئنًا أم أبينًا - تمتلك أوراق ضغط سياسية وعسكرية موزعة في أنحاء مختلفة من المنطقة، وأصبحت تناور بقوة ببرنامجها النووي الذي بدأ بمساعدة أميركية أوروبية مطلع خمسينات القرن الماضي، وتواصل تطويره بمساعدة روسية، وهو الذي يمثل أحد أبرز عوامل التوتر الجديدة في المنطقة والعالم، منذ أن اتُهمت إيران مطلع الألفية الثالثة بتطوير وإنجاح بحوثها وتجاربها الرامية لإنتاج الأسلحة النووية، لكنها تمكنت بالتالي من إقناع العالم بضرورة التفاهم والحوار معها. والشيء الطبيعي، هو أن يقلق العرب من برنامج إيران النووي ومن استمرار تطويره بما يمكنها من إنتاج وامتلاك أسلحة نووية، الأمر الذي سيشكل - بالتأك

الحوار الذي يريده اليمنيون..!

لليمنيين مع الحوار تجارب تاريخية مهمة وناجحة، فخلافات الملوك والتبابعة والأقيال على قضايا السلطة والتوحد في الزمن السبئي والحميري القديم كانت لا تحل إلا عبر التفاهم والحوار، وهو ما كرر نفسه في مراحل مختلفة من العصر الحديث، فبعد قيام ثورة سبتمبر 1962م ضد أسرة آل حميد الدين، استمر اقتتال اليمنيين في حرب أهلية طاحنة بين الجمهوريين والملكيين ثماني سنوات، ورغم شدة الاستقطابات الخارجية (الإقليمية والدولية)، فإنها لم تحل في نهاية المطاف إلا بتوافق وحوار وطني داخلي. كان الحوار أيضا هو المخرج نفسه الذي حل محل الاقتتال والصراع بين الشمال والجنوب، حتى قاد في العام 1990م إلى قيام دولة الوحدة، فكانت الحرب

اليمن وعضوية مجلس التعاون..!

بعد أكثر من شهر على «عاصفة الحزم» بدأت الأصوات والدعوات المطالبة بضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي تتعالى، وهي أصوات خليط من التفاعل والانفعال المتسرع مع إفرازات الحرب الدائرة في اليمن، التي يرون فيها مدخلا لإعادة ترتيب وضع الداخل اليمني في إطار إعادة تحقيق التوازن، ويعتبرونها ضرورة لتأمين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من المخاطر المحتملة من توسع انتشار وسيطرة الحركة الحوثية على الوضع في اليمن من جهة، وكسر شوكة إيران في الجزيرة والخليج، والحد من تهورها في إثارة المشكلات المذهبية والطائفية في المنطقة العربية من جهة أخرى. المتفاعلون مع تطورات «العاصفة»، وهم يمثلون مجموع القيادات اليمنية

فشل الساسة ومعاناة الشعوب!

لم يعانِ شعب من الأزمات والمحن والكوارث كما عانى منها الشعب اليمني على مر تاريخه القديم والمعاصر، فهو يتوارث الحروب والمعاناة، ليس بفعل كونه شعبًا ميالاً لإثارة العنف وخلق المشكلات وإنما لأنه بلي بقيادات سياسية فاشلة وغير مؤهلة، وهي القيادات التي ما إن تصل إلى السلطة حتى تفقد صوابها وتغرق في ممارسة الفساد وإثارة الفوضى، والنزوع إلى التسلط والاستحواذ وإفقار وتجويع الشعب. ولتجويع الرعية والأتباع عند اليمنيين قصة حميرية قديمة تتداولها وتتمسك بها القيادات السياسية المعاصرة بمجرد اعتلائها كرسي الحكم، إذ يروى عن أحد ملوك حمير قوله «جوع كلبك يتبعك» في إشارة إلى ضرورة أعمال القسوة والبطش في معاملة الر

لا تزال المبادرة الخليجية هي الحل..

التطورات الخطيرة التي قادت إلى الحرب في بلد الإيمان والحكمة، لم تكن هي المأمول، ولم تكن هي المرتجى، ذلك لأن طريق السلام والحوار هو السبيل الأمثل إلى حل وتجاوز الخلافات السياسية، وقد كانت المبادرة الخليجية - ولا تزال - في رأيي هي الحل للمشكلة اليمنية، لأنها جاءت لإنقاذ ومعالجة الأزمة اليمنية في إطار منظومة متكاملة، وفي إطار الحوار وفقا لتوافق سياسي أجمع عليه اليمنيون تحت رعاية وإشراف خليجي ودولي. هذه المبادرة التي ربطت بآلية تنفيذية مزمّنة وحددت لها خطوات واضحة، كان يجب أن تدخل اليمن بعد عامين من بدء تنفيذها في الاستحقاقات الدستورية (انتخابات برلمانية ورئاسية)، لكن تسارع الأحداث وانشغال أحزاب س

الرئيس هادي.. من حصار إلى حصار..!

لم تتوافر لأحد سبل الوصول إلى كرسي الرئاسة كما توافرت للرئيس عبد ربه منصور هادي؛ فالرجل تسلم السلطة وفقا للمبادرة الخليجية، وهو على فراش الراحة في داره عام 2011، ثم حظي بإجماع شعبي وسياسي، واختير دون منافس للرئاسة. اعتبر اليمنيون الرئيس هادي «المنقذ» من أزمة طاحنة ومدمرة، وتوافق عليه اليمنيون (معارضة وموالاة)، وعملوا بكل انتماءاتهم وأطيافهم السياسية والقبلية، من أجل إضفاء الشرعية الشعبية على رئاسته، وصبغوا أصابعهم بلون الأمل، وحَلِموا أن يُخرج البلاد من مأزقها، ويقود الناس إلى بر الأمان، فحصل هادي في «انتخابات» فردية غير تنافسية في 2012 على أكثر من 6 ملايين صوت، أي بنسبة 99.8 في المائة من أصوا

عن العلاقات العربية الإيرانية..

تنطوي العلاقات العربية - الإيرانية على تعقيدات تاريخية ومعاصرة مخيفة، فإيران في توتر وصراع سيطرة ونفوذ مع العرب منذ ما قبل التاريخ، واكتسب الصراع العربي - الإيراني إثر الفتوحات الإسلامية بعدا دينيا في ظل الدولة الصفوية مطلع القرن الـ16 الميلادي، التي فرضت «الجعفرية - الاثني عشرية» مذهبا رسميا للدولة، إلى جانب صراع الحدود والتهام الأراضي العربية؛ بدءا بالسيطرة عام 1925 على إقليم عربستان المعروف حاليا بـ«خوزستان - الأهواز» شمال الخليج العربي (أغنى مناطق النفط في إيران)، واحتلال الجزر الإماراتية (1971)، ثم محاولة السيطرة على كامل شط العرب، وكلها عوامل صراع وتوتر سحبت نفسها على العلاقات العربية -

الوحدة بين خياري «الموت والحياة»..!

تتسارع الأحداث في المشهد اليمني، وتتطور بصورة دراماتيكية مذهلة، وكلها تصب - للأسف - باتجاه المزيد من تأزيم الوضع وتعقيد الحل السياسي.. ولعل أبرز مخاطر تطورات الوضع اليمني بعد خروج الرئيس عبد ربه منصور هادي من العاصمة السياسية والتاريخية صنعاء واستقراره في عدن، يكمن في الخوف على مصير دولة الوحدة اليمنية، التي استطاعت أن تصمد وتقاوم وتبقى رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة والمعقدة التي مرت بها. هذه المخاطر المحدقة بالوحدة اليوم، ذكرتني بشعار «الوحدة أو الموت»، الذي كان اليمنيون في الشمال والجنوب يرددونه بزهو وعفوية خلال حرب الانفصال في صيف عام 1994..