يجد المرء متعة لا حدود لها وهو يقرأ دواوين الشعراء الغابرين، ونثر الناثرين والقواميس التي ألفها جهابذة اللغة.
يغمرك ارتياح كبير وأنت تتوغل في هذه الكتب، وتهرب من الحاضر.
دعونا نتحدث عن الأصابع التي لا يمكن الاستغناء عنها مهما داهمنا من تقدم تكنولوجي.. قد نستغني عن القلوب ـ التي فقدها فعلا بعضنا ـ ولكن ستظل سلامياتنا معنا مهما حدث من تغير في حيواتنا.
لقد رسخت في القلب منك محبة
كما رسخت في الراحتين الأصابع
إنها صورة شعرية راسخة لقيس بن ذريح....
تقول العرب: أدخلت الإصبع في الخاتم وليس العكس كما نفعل الآن.
الإصْبَعُ: واحد أو واحدة الأَصابِع، يذكَّر ويؤنَّث
وفيه تبدو مرونة العربية: الإِصْبَعُ والأُصْبَعُ، بكسر الهمزة وضمها والباء مفتوحة، والأَصْبُعُ والأُصْبِعُ والأَصْبِعُ والإِصْبِعُ..
إذن لك أن تُتْبِعَ الضمةَ الضمةَ فتقول أُصْبُعٌ، ولك أن تُتْبِعَ الكسرةَ الكسرةَ فتقول إصْبِعٌ.
والإِصْبَعُ الأَثَر الحسَنُ.
وفلانٌ مُغِلُّ الإِصْبَع إِذا كان خائناً؛ قال الشاعر:
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالوَفاءِ ولم تَكُنْ
للغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ
وصَبَعَ به وعليه يَصْبَعُ صَبْعاً: أَشار نحوَه بإِصْبَعِه واغتابه أَو أَراده بشَرٍّ والآخر غافل لا يُشْعُر.
وصَبَعَ الإِناء يَصْبَعُه صَبْعاً إِذا كان فيه شَرابٌ وقابَلَ بين إِصْبَعَيْهِ ثم أَرسل ما فيه في شيء ضَيِّقِ الرأْس، وقيل: هو إِذا قابل بين إِصبعيه ثم أَرسل ما فيه في إِناء آخَرَ أَيَّ ضَرْبٍ من الآنيةِ كان.
وصَبْعُ الإِناء أَن يُرْسَل الشَّرابُ الذي فيه بين طرفي الإِبهامين أَو السبَّابتين لئلا ينتشر فيندفق، وهذا كله مأْخوذ من الإِصبع لأَن الإِنسان إِذا اغتاب إِنساناً أَشار إِليه بإِصبعه، وإِذا دل إِنساناً على طريق أَو شيء خفيّ أَشار إِليه بالإِصبع.
ورجل مَصْبُوعٌ إِذا كان متكبراً.
والصَّبْعُ الكِبْر التامُّ.
وصَبَعَ فلاناً على فلان: دَلَّه عليه بالإِشارة.
وصَبَعَ بين القوم يَصْبَعُ صَبْعاً: دلّ عليهم غيرهم.
وما صَبَعَك علينا أَي ما دَلَّك.
من أسرار العربية ودقتها القول: أدخلت الأصبع في الخاتم. لا أن تقول: أدْخَلْتُ الخاتَمَ في إصْبَعي.
كما أنه لا يُقالُ خاتَمٌ إلاّ إذا كانَ فيه فَصّ، وإلاّ فَهُوَ فَتْخَةٌ.
وللمتنبي بيت جميل في هذا الإطار يبيّن فيه صورته
بليت بلى الأطلال إن لم أقـف بـهـا
وقوف شحيحٍ ضاع في الترب خاتمه
فشبه هيئة وقوف نفسه بهيئة وقوف الشحيح، وذلك أن الشحيح أو البخيل إذا طلب الخاتم احتاج إلى الانحناء ليقع بصره على الخاتم، كما يقول الواحدي، ولو كان بدل الخاتم شيئا أعظم منه كالخلخال والسوار، لكان يطلبه عن قيامٍ فلا يحتاج إلى الانحناء.
وللإفادة لا يقال كُوزٌ إلا إذا كانَتْ له عُرْوَة، وإلا فهو كُوب.
***
الشَّنْفُ والقُرْطُ والرَّعْثَةُ للأُذُنِ، والغريب أن هذه المفردات اختفت من لهجاتنا، فنحن لا نستعمل إلا القرط وهو نوع من حُلِيِّ الأُذُن وهو الذي يعلَّق في شحمة الأُذن، والجمع أَقْراط وقِراط وقُروط وقِرَطة.
ويقولون في هذا: انها بعيدة مهوى القرط. وهو مدح للمرأة. فطول المسافة بين شحمة الأذن والكتف كانت محبّبة لدى العرب.
أما الشَّنْفُ: بفتح الشين وسكون النون، فيعلق في أعلى الأُذن. والجمع أَشْنافٌ وشُنوفٌ.
قال أَبو كبير:
وبَياضُ وجْهِك لم تَحُلْ أَسْرارُه
مِثْل الوَذيلةِ أَو كَشَنْفِ الأَنْضُر
الوذِيلة المِرآة، والوَذيلة السَّبيكة من الفِضَّة؛ والوَذِيلةُ القطعة من الفضّة، والجمع وَذِيلٌ ووَذائِل.
والشَّنَفُ: بفتح النون شِدّة البِغْضةِ؛ قال الشاعر:
ولَنْ أَزالَ، وإن جامَلْتُ مُحْتَسِباً
في غير نائرةٍ، صَبّاً لها شَنِفا
أَي مُتَغَضِّباً. والشَّنَفُ.
والشَّنف أيضا أَن يرفع الإنسان طَرْفَه ناظراً إلى الشيء كالمُتَعَجِّب منه أَو كالكارِه له.
وشَنَفْتُ إلى الشيء، بالفتح: مثل شَفَنْت، وهو نظر في اعْتِراضٍ.
وأَنشد لجرير يصف خيلاً:
يَشْنِفنَ للنظَرِ البَعِيدِ كأَنـَّما
إرْنانُها بِبَوائِنِ الأَشْطانِ
الوَقْفُ والقُلْبُ والسِّوَارُ للمِعْصَمِ...
ولا نستعمل منها إلا كلمة السوار
وكانت العرب تقول:
الخَاتَمُ للأصْبَعِ
الدُّمْلُجُ لِلعَضُدِ
الجَبِيرَةً للسَّاعِدَ
القِلاَدَة لِلْعُنُقِ
المُرْسَلَةُ لِلصَّدْرِ
الخَلْخَالُ والخَدَمَةُ للرِّجْلِ
الفَتَخُ لأصَابِعِ الرِّجْلِ، كان نِسَاءُ العَرَبِ يلبسنها.
ولكن ما هو الفرق بين الأصابع والأنامل؟
قال يزيد بن معاوية:
كأنه طرقُ نملٍ في أناملها
أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْبُ بالبَرَدِ
الأنملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات، والجمع أنامل وأنملات: المَفْصِل الأَعْلى الذي فيه الظفر من الإِصبع، وهي رؤوس الأَصابع.
والسُلاميَاتُ: عظام الأصابع.
والسَلامُ والسَليمُ: اللَديغُ، كأنَّهم تفاءلوا له بالسَلامة.
أما البراجم هي مَفاصلُ الأَصابعِ كُلِّهَا، أو رؤوسُ السُّلامَيَاتِ إذا قَبَضْتَ كفَّكَ، نَشَزَتْ وارْتَفَعَتْ.
***
الشِّبْرُ مَا بين طَرَفِ الخِنْصَرِ إِلى طَرَفِ الإِبْهام وَطَرَفِ السَّبَابَةِ.
وهذا معروف لدى العرب اليوم. لكن أين ذهبت التعابير الآتية:
الرَتَبُ ما بين طَرَفِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى
العَتَبُ مَا بين طَرَفِ الوَسْطى والبِنْصِرِ
البُصْمُ ما بين البِنْصِرِ والخِنْصِرِ
الفَوْتُ ما بين كُلِّ إصْبَعَيْنِ طُولاً.
فأين ذهبت هذه المفردات وكيف نسيت؟
لقد استبدل العرب لغة الاشارة بها.
***
البَرَاثِنُ مِنَ السبع بِمَنْزِلَةِ الأصابِع مِنَ الإنْسانِ
الكَرِشُ مِنَ الدَّابةِ كالمَعِدَةِ مِنَ الإنسانِ والحوْصَلَةِ مِنَ الطّائِر
الحافِرُ للدَّابةِ كالفِرْسِنِ للبعِيرِ، والفرسن ما زالت تستعمل في بعض البلاد العربية.
المَنْسِمُ للبعيرِ بِمنزلةِ الظُفْرِ للإنسانِ والسُنْبُكِ لِلدَّابةِ والمِخْلَبِ للطَّيرِ
الخُنَان في الدَّوابِ كالزُّكام في النّاسِ
اللُّغَامُ للبعيرِ كاللُّعابِ للإنسانِ
المُخاطُ مِنَ الأنْفِ كاللُّعابِ من الفًم
النَّثِيرُ للدوابِّ كالعُطاسِ لِلنّاسِ
الوَدْجُ للدَّابةِ كالْفَصْدِ للإنسان
خِلاَءُ البعيرِ مثلُ حِرانِ الفَرَسِ
نُفُوقُ الدابّةِ مثْلُ مَوْتِ الإنسانِ
سَنَقُ الدابّةِ بمنزلةِ إتخامِ الإنسانِ ، وهوَ في شِعْرِ الأعْشى
الهَمَجُ فيما يطيرُ، كالحشراتِ فيما يَمْشِي
***
الكوع أو الكاع
في الأمثال يقولون: فلان لا يعرف كوعه من بوعه.
الكاعُ والكُوعُ: الكُوعُ طرَفُ الزند الذي يلي أَصلَ الإِبْهامِ.
والكاعُ: طرَفُ الزند الذي يلي الخِنْصِر، والجمع أَكْواعٌ. قال الأصمعي: يقال كاعٌ وكُوعٌ في اليد.
ورجل أَكْوَعُ: عظيمُ الكُوعِ، أو مُعْوَجُّه؛ والمصدر الكَوَعُ.
الباعُ والبَوْعُ والبُوع: قَدْرُ مَدِّ اليدين.؛ قال أَبو ذؤيب:
فلو كان حَبْلاً من ثَمانِين قامةً
وخمسين بُوعاً نالَها بالأَنامِل
والجمع أَبْواعٌ.
وفلان له باع كبير في السَّعةُ في المَكارم، وقد قَصُر باعُه عن ذلك: لم يسعه، كلُّه على المثل.
والزند: موصل طرف الذراع في الكف.
والساعد: مُلْتَقى الزَّنْدَين من لدن المِرْفَق إِلى الرُّسْغ. سمي ساعداً لمساعدته الكف إِذا بَطَشَت شيئاً أَو تناولته، وجمع الساعد سَواعد.
والرسغ مَفْصِلُ ما بين الساعِدِ والكَفِّ، والساقِ والقَدَمِ، والجمع أرْساغٌ وأرْسُغٌ.
المعصم:
المِعْصَمُ مَوْضِعُ السِّوارِ من اليَدِ.
الرواهش:
عروقٌ باطن الذراع، بينما النواشر عروقُ ظهر الكفّ.