بانكاج ميشرا
TT

ماكرون ورؤيته للمجد الفرنسي

آخر ما يحتاج إليه العالم وسط تفشي وباء، اشتعال صدام بين الحضارات. ومع ذلك، هذا ما يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عازم على فعله. وتشير جميع الروايات إلى أن المراهق المولود في الشيشان الذي قتل مدرساً في فرنسا الشهر الماضي بشكل وحشي يمثل حالة أخرى من اعتناق الفكر المتطرف عبر الإنترنت.
إلا أن ماكرون اختار الرد على الجريمة المروعة بحملة إجراءات غير مسبوقة.
وبعد أن أكد أن الإسلام «في أزمة في جميع أنحاء العالم اليوم»، ذهب ماكرون إلى أبعد من ذلك.
وتلقف من نصبوا أنفسهم حماة للإسلام، الذين تعثروا كثيراً في الفترة الأخيرة، بشغف، شريان الحياة الذي ألقاه لهم ماكرون. على سبيل المثال، بادر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان والرئيس التركي إردوغان، وكلاهما يواجه أزمات جمة، إلى مهاجمة الرئيس الفرنسي علانية.
بل وبلغ الأمر حد تشكيك إردوغان في صحة ماكرون العقلية، ما دفع فرنسا لاستدعاء سفيرها لدى تركيا. وبالفعل، خرجت احتجاجات حاشدة ضد ماكرون في مجموعة واسعة من البلدان الإسلامية من ليبيا إلى بنغلاديش.
وفي الأيام الأخيرة، تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا على جميع مستويات المجتمع الفرنسي، بدءاً من وزير الداخلية الذي اتهم ظاهرة الأطعمة الحلال في محلات السوبر ماركت بتشجيع الانفصالية.
وتبدو استراتيجية ماكرون واضحة: التفوق على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، خصوصاً أن إدارته الرديئة لأزمة الوباء قلصت بالفعل فرصه في الانتخابات الرئاسية عام 2022. لذا، يأمل ماكرون الآن في شق طريقه للخروج من أزمة وجودية باستدعاء عظمة فرنسا التي لا مثيل لها.
ولدى ماكرون تاريخ خطابي في هذا الأمر. ومع ذلك، لا يبدو أن ماكرون قد فكر في مشكلة أساسية: معظم الناس في العالم اليوم لا يهتمون كثيراً برأي الفرنسيين عنهم، خصوصاً أن تأكيدات مثل ادعاء سلفه نيكولا ساركوزي عام 2007 بأن «الأفريقي لم يدخل التاريخ بالكامل»، أو تعليقات ماكرون عام 2017 حول أن أفريقيا لديها مشكلة «حضارية» عصيبة، تنبع من النساء الأفريقيات اللاتي يلدن «من 7 إلى 8 أطفال»، كل ذلك لم يعطِ هؤلاء الناس كثيراً من الأسباب لإعادة النظر في ازدرائهم.
ومع اضطلاعه بحمل عبء الرجل الأبيض في الخارج، يبدو أن ماكرون غافل عن مشكلة عميقة في الداخل: أن النموذج الفرنسي القديم، الذي ادعى أنه عالمي ومتفوق على جميع الأنظمة الاجتماعية الأخرى، غير مناسب لمجتمع متعدد الأعراق على نحو متزايد.
كما أن روح فرنسا ليست محصنة ضد بعض التوجهات العالمية. في الواقع، هدد الخطر التماسك الاجتماعي في جميع أنحاء العالم بسبب النمو غير المتكافئ والتفاوت الشديد، وتضاؤل دور النقابات والصحف المحلية والمؤسسات الأخرى التي ساعدت في السابق على تعزيز المشاركة المدنية ومسؤوليات المواطنة. وفي جميع الدول الكبرى تقريباً، يتسبب أفراد أقلية اعتنقت الفكر المتطرف عبر الإنترنت في تعطيل الحياة العامة بشكل دوري بأعمال عنف شرسة.
تبدو فرنسا بشكل خاص غير مستعدة للتكيف مع هذه الحقائق المتقلبة، لأن القادة الفرنسيين ما زالوا قادرين على حشد دعم واسع لآيديولوجيا وطنية علمانية عفّى عليها الزمن. ومع ذلك، فإن هذا الوضع لن يزيد الأقليات الساخطة بالفعل سوى مزيد من السخط ويؤخر التعديلات اللازمة على الصورة الذاتية للبلد والأنظمة السياسية والقانونية والتعليمية.
في الواقع، جعل كيل المديح على التقاليد السياسية والفكرية هذه التقاليد متمترسة ومحصنة في مواجهة واقع القرن الحادي والعشرين.
لقد اعتنق ماكرون صورة غير واقعية عن المجد الفرنسي، متجاهلاً التنوع السكاني في فرنسا والوضع الأمني الهش، فضلاً عن الأوضاع الدولية غير المستقرة، وذلك في خضم مساعيه للفوز بإعادة انتخابه. ومن بين الأخطار التي تنطوي عليها رؤية ماكرون إحداث استقطاب أكبر في الداخل وصراعات أوسع وأكثر حدة في الخارج. ولا ينبغي التقليل من شأن هذه الأخطار.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»