مرَّت ثلاثة شهور منذ إعلان «منظمة الصحة العالمية» حالة طوارئ صحية جراء انتشار فيروس «كورونا» المستجد في طريقه لأن يصبح وباء عالمياً. وعلى الرغم من الضجيج الكبير المثار حول العديد من الأدوية المتاحة، فإننا لم نجد حتى الآن علاجاً مؤكداً يستند إلى أدلة لإيقاف فيروس «كوفيد 19» المسبب للمرض.
إن المخاطر عالية بشكل واضح في ظل الحاجة إلى الانتظار لعام كامل قبل إيجاد لقاح حاسم، حال نجحت التجارب. وقد تواجه البلدان في جميع أنحاء العالم موجة ثانية محتملة من العدوى، عندما تبدأ في رفع إجراءات الإغلاق الصارمة.
وفي هذا الصدد، ذكر المستشار الطبي الحكومي الفرنسي جان فرنسوا دلفريسي، أن النتيجة النهائية التي توصلت إلى أن أحد الأدوية المتاحة بالفعل يمكن أن يقلل من الحمل الفيروسي، أو شدة الأعراض لدى المرضى المصابين قد «يغير من قواعد اللعبة».
وحتى الآن ما زلنا ننتظر أدلة مقنعة حول ما إذا كانت الأدوية الواعدة ستعمل بالفعل. فقد بدأت في مارس (أيار) الماضي تجارب أوروبية لاختبار أربعة علاجات أطلق عليها اسم «الاكتشاف»، وكان من المقرر أن تعطي نتائج مبكرة في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان). غير أنه تم تأجيل هذا التاريخ إلى الأسبوع الجاري بعد أن تباطأت النتائج في الظهور، وهي الفترة التي مات خلالها عشرات الآلاف من البشر.
إن هذا الوضع يدفع إلى تخيل حجم اللوم الذي وقع على من أضاعوا الوقت بسبب الروتين والبيروقراطية الجوفاء، الناتجة عن الخلافات بين العلماء الذين فضلوا التجارب المعملية الخاملة على التجارب الجريئة للأدوية على الخطوط الأمامية للوباء. فتلك هي الرواية التي يفضلها أنصار ديدييه راؤول، الطبيب الفرنسي المتوهج الذي أبلغ لأول مرة عن عقار الكلوروكين المضاد للملاريا كعلاج واعد لفيروس «كورونا» في فبراير (شباط). وفيما كانت المؤسسة العلمية تنتظر نتائج التجارب الحاسمة، كان «المنشق» راؤول بالفعل يستخدم هيدروكسيد الكلوروكين (مشتق أقل سمية من الكلوروكين) على المرضى. وكان تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترمب للعقار الجديد وضغوطه على المنظمين لتتبعه بسرعة سبباً في جعل هذا العقار اسماً مألوفاً.
لكن الحقيقة تقول إن المنشقين هم من أبطأوا الأمر، وليس البيروقراطيون من قاموا بذلك.
فقد انتقدت التجارب الحديثة التي أجريت على هيدروكسيد الكلوروكين والتي تطرقت إلى العديد من الزوايا، أن العقار لم يظهر أي آثار مهمة سريرياً. فقد استخدم اختبار راؤول في مرسيليا عينة صغيرة ضمت 42 مريضاً، ولم يتم تسجيلهم بشكل عشوائي، وتم استبعاد مريض من النتائج رغم أنه توفي. كما تبيَّن أن التجارب اللاحقة التي جرت في أماكن أخرى جاءت بنتائج محدودة. ووجدت مراجعة أجراها روبن فيرنر، البروفيسور بجامعة برمنغهام، وجيفري أرونسون، من جامعة أكسفورد، أن المعنيين كانوا يجرون تجارب علنية، ويدركون طبيعة خواص العقار وإلى من يجب أن يقدم. وشملت العيوب الأخرى إجراءات العلاج غير المتسقة، مثل إضافة المضاد الحيوي «أزيثروميسين»، والتي كان من الممكن أن تتسبب عند دمجها مع هيدروكسيد الكلوروكين في حدوث مشكلات خطيرة في القلب. ووجدت المراجعة أنه من بين 142 تجربة باستخدام هيدروكسيد الكلوروكين مسجلة حتى 14 أبريل، تم تصميم حوالي 35 تجربة عشوائية في اختيار المرضى.
لم تؤد التضحية بالمعايير في سبيل السرعة إلى نقص الأدلة فحسب، بل إنها أعاقت وأخرت دراسات المتابعة. وعندما بدأت دراسة كبيرة حملت عنوان «ديسكفري» في تسجيل المرضى في مارس (آذار)، واجهت في الحال عقبة كبيرة هي أن المرضى الذين تأثروا بعناوين الأخبار أرادوا فقط العلاج بهيدروكسيد الكلوروكين. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، طلب أحد المرضى الذين عُرضت عليهم الفرصة لتجربة عقار «ريمديسيفير» الذي أنتجته شركة «جلعاد ساينس إنك»، استخدام «عقار ترمب» بدلاً منه. كما أدت الضجة حول العلاجات المحتملة في البلدان المختلفة، إلى تكديس الأدوية المتاحة بالفعل لأمراض أخرى والمحتمل اللجوء إليها، مما أضر بتوافرها في الصيدليات.
أصبح الأطباء في حالة ارتباط أخلاقي بهذا الوباء، إذ إن الرغبة في «تجربة كل شيء» تصبح قوية عندما يعاني المرضى وعائلاتهم بشكل لا يحتمل، ومع ذلك يجب موازنة عنصر السرعة مع عناصر المقايضة الأخرى مثل سلامة المرضى. والحقيقة القاتمة هي أنه كان من الممكن إجراء تجربة عشوائية مزدوجة (من ناحية اختيار المرضى، وكذلك إخفاء طبيعة العقار عنهم لتفادي تأثير الوهم في العلاج).
جلب هذا الأسبوع بصيصاً من التفاؤل بشأن التجارب الأخرى، على الرغم من أنها لا تزال في أيامها الأولى. فقد أعلنت «جمعية المستشفيات» في باريس أن تجربة عشوائية لـ129 مريضاً باستخدام عقار «توسيليزوماب» سوقته شركة «روش القابضة» تحت اسم «أكتمارا» جرى إطلاقه قبل شهر فقط، وأظهر بالفعل تحسناً «كبيراً» لمرضى فيروس «كورونا» على الرغم من أن النتائج لم تخضع بعض لما يعرف بـ«مراجعة الأقران»، وتعني الخضوع للاختبار المتكرر والبحث والنشر في دوريات متخصصة. وذكرت شركة «جلعاد» أن النتائج الإيجابية ظهرت من دراسة عقار «ريمديسيفير» أجراها المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية.
ثمة طرق أخرى لتسريع البحث في جائحة «كورونا»، ومن ضمن الخيارات استخدام تجارب المنصات التكيفية، حيث يتم مراقبة العديد من العلاجات في نفس الوقت، بحيث يمكن تحويل الموارد نحو تلك الأكثر فاعلية، بحسب زميلي ماكس نيسن. يمكن للذكاء الصناعي أيضاً أن يساعد، حيث تستخدم جامعة «بيتسبرغ» التعلم الآلي لتشغيل تجربتها التكيفية الخاصة بعلاجات «كورونا» المحتملة في 40 مستشفى. وحتى قبل الاختبار، يُطلب من الباحثين استخدام الأساليب الحسابية الكومبيوترية لفحص العلاجات الحالية بسرعة أكبر، كما هو الحال في مبادرة دشنتها مؤسسة «جيدي» الأوروبية التي تعمل في مجال إطلاق الصواريخ إلى القمر.
وإذا كان هناك دليل قاطع على أن دواءً عاماً رخيصاً مثل «هيدروكسيد الكلوروكين» قد يأتي بنتائج، فقد تجد سلاسل توريد الأدوية أساليب جديدة لمواجهة ارتفاع الطلب. وتقوم شركة «روندل أندستري» الفرنسية باختبار قدرة آلات مزج الأدوية على صنع جرعات أكثر كفاءة من «هيدروكسيد الكلوروكين»، من شأنها تحسين الامتصاص في جسم الإنسان. ويمكن أن يكون تقليل جرعة العلاج سبباً لتقليل الآثار الجانبية لنفس العقار، وأيضاً تقليص تكاليف الإنتاج. كما أنه سيجعل من الممكن علاج المزيد من المرضى بنفس الكمية من المكون الصيدلاني النشط.
من دون ذلك الدليل سنضيع الوقت فقط، حيث إن التجارب السريرية مكلفة من الناحية اللوجيستية والمالية، لكنها لا تقدر بثمن. وسوف يساهم التعهد الجديد من قبل قادة العالم مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الألمانية بجمع 8 مليارات دولار، لتطوير العلاجات الممكنة لفيروس «كوفيد 19»، في الوصول إلى علاج فعال للمرض. فنحن في سباق من دون طرق مختصرة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
7:44 دقيقه
TT
كيف أضعنا الوقت في سباق الوصول لعلاج «كورونا»؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة