جاء قرار المحكمة العليا في المملكة المتحدة بإبطال تعليق بوريس جونسون للبرلمان ليبقى قراراً تاريخياً على مر العصور، وليكون معلماً بارزاً في القانون الدستوري البريطاني من ذلك النوع الذي يأتي مرة واحدة فقط كل بضعة قرون.
حاول الحكم الصادر عن المحكمة التقليل من أهمية قرارها. ولكن الحقيقة هي أن المحكمة بالإجماع قد فتحت آفاقاً جديدة في جعل القضاء، وليس البرلمان، الحكم النهائي للشرعية الدستورية في المملكة المتحدة. فرغم أن المحكمة أفادت بأن هذه القضية من ذلك النوع الذي يقام «لمرة واحدة»، إلا أنها تضع سابقة جديدة جذرية، وبالتالي تفتح الطريق لتغيير جذري في الدستور البريطاني الذي يتطور عن طريق الممارسة العرفية بدلا من التعديل.
كانت الفكرة الأساسية للحكم هي أن تعليق البرلمان لم يكن عملاً برلمانياً ولكنه إجراء تنفيذي اتخذ ضد البرلمان.
من الناحية الفنية، لا يأمر البرلمان أعضاءه بالعودة بالحصول على فترة راحة في منازلهم عندما يجري إيقاف جلساته. لكن ما يحدث هو أن رئيس الوزراء يطلب من الملكة ممارسة صلاحيتها الملكية التقليدية بتوجيه البرلمان للحصول على قسط من الراحة. كانت الطريقة التي قدمت بها المحكمة السؤال الذي كان عليها الإجابة عنه هو ما إذا كان «المسؤول» - رئيس الوزراء – قد تصرف ضمن الحدود القانونية عندما أمر أعضاءه بالعودة إلى منازلهم لمدة أطول من المعتاد دون أي غرض واضح سوى منع مناقشة قضية «بريكست» في لحظة ذات تبعات سياسية كبيرة.
هنا لم تشكل القضية تعارضاً بين السيادة البرلمانية وسلطة القضاء، فقد أصر الحكم الذي أصدره اللورد بريندا هيل، رئيس المحكمة، على أن المحكمة كانت في الواقع تدعم سلطة البرلمان، لأن البرلمان لا يمكنه سوى التصرف بصفته السيادية ومحاسبة حكومة جونسون عندما يكون البرلمان في حالة انعقاد.
من وجهة النظر الديمقراطية النظرية البحتة، هذا النهج منطقي؟ إن رئيس الوزراء ليس هو البرلمان. لذلك، إذا كان بإمكانه منح البرلمان إجازة فقط لمنعه من إزعاجه، فإن هذا يعني تقويض سلطة البرلمان.
ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، هناك شيء بالغ الغرابة بشأن طريقة النظر إلى هذه القضية. من الناحية الواقعية، فبوريس جونسون هو رئيس الوزراء بقوة البرلمان. فقد شكل حزب المحافظين حكومة، واختاره الحزب ليكون رئيساً للوزراء. والتصويت البرلماني بحجب الثقة قد يسقط حكومته - وجونسون معها.
عندما يختار رئيس الوزراء الذي يختاره البرلمان أن يحكم البرلمان، فإن ذلك يبدو من الناحية السياسية - مثل قرار سياسي يعزى في النهاية إلى البرلمان.
تقليدياً، كان من المفترض أن تعني فكرة السيادة البرلمانية أن البرلمان يتمتع بالسلطة النهائية لمراجعة قرارات السياسة التي يتخذها رئيس الوزراء وحكومته. لكن المحكمة العليا اتخذت الآن على عاتقها مراجعة ما إذا كان قراراً معيناً اعتبر «قانونياً»، وهو ما يخلق حالة من التوتر بين السيادة البرلمانية والمراجعة القضائية.
عالجت المحكمة التوتر بقولها إن المراجعة القضائية تختلف عن تحميل البرلمان مسؤولية الوزراء، لأنه يرتكز على الشرعية وليس السياسة. لكن هذا المنطق يعتبر ملتفاً إلى حد ما. فقد كان قرار جونسون بامتلاك البرلمان قراراً سياسياً بكل تأكيد. وإلى حين صدور حكم المحكمة العليا، لم تكن هناك سابقة قضائية للقول بأنه غير قانوني.
وكان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تفسير المحكمة لكيفية تقريرها أن جونسون قد تجاوز قدرته على ممارسة صلاحياته. وكما أقرت المحكمة صراحةً، فإنه «لا توجد وثيقة تنص على سلطات المحكمة المخولة لها»، وأدى ذلك إلى اعتراف المحكمة بخسارة بريطانية حقيقية بأن «تحديد» حدود الصلاحية غير المكتوبة «أقل وضوحاً» من تحديد مدى السلطة القانونية. ثم أسهبت المحكمة في تحديد حدود سلطة الاختصاص من خلال النظر في آثار الاختصاص القانوني. سيكون الاختصاص القضائي غير قانوني حال «أدى إلى إحباط أو منع دون مبرر معقول لقدرة البرلمان على أداء وظائفه الدستورية كهيئة تشريعية وكهيئة مسؤولة عن الإشراف على السلطة التنفيذية». في هذه الحالة، عند انعقاد المحكمة، «ستتدخل المحكمة إذا كان التأثير جاداً بما يكفي لتبرير مثل هذا المسار الاستثنائي».
مرة أخرى، يعتبر ذلك معقولاً تماماً كمسألة نظرية ديمقراطية، لكن كقانون دستوري بريطاني، فإن هذا الأمر يعد جديداً تماماً.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»