جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

المالديف... رمالها خلاصها

في الغرب يستخدمون عبارة «Bucket List»، وتعني تحقيق المرء رغباته في الحياة، وغالباً ما تنضوي هذه الرغبات في إطار السياحة والسفر والقيام بنشاطات لطالما حلم بها الشخص وتمنى أن يأتي اليوم لتحقيقها.
من ضمن الزيارات التي رصدها استطلاع عالمي للائحة تحقيق الرغبات كانت جزر المالديف، والسبب ليس فقط كونها من أجمل جزر العالم من حيث الشواطئ والمنتجعات، إنما بسبب عمرها المتوقع القصير، لأنها تنفذ حكماً قاسياً سيؤدي إلى غرقها بالكامل في غضون عام 2100. بعد أن تحول قعر محيطها إلى مقبرة للشعاب المرجانية، وبالتالي أصبحت حياة الأسماك بشتى أنواعها شبه مستحيلة بعد أن تعدى الإنسان عليها وزاد الاحتباس الحراري الطين بلة لتعيش الجزر الجميلة هاجس الموت والغرق.
في زيارة أخيرة لي إلى جزر المالديف، أول ما طالعني من نافذة الطائرة المائية هو مشهد الحواجز الرملية التي تحمي كل جزيرة، والمعدات التي تقوم بنبش الرمال وتكويمها لتكون بمثابة روادع فعلية تحمي الجزر من الغرق في المحيط.
المنظر مؤسف بالفعل، خاصة أنه وبحسب الباحثين العلميين 93 في المائة من الحاجز المرجاني العظيم الذي يجذب أكثر من 1.9 مليون سائح سنوياً تم تدميره بسبب ما يعرف بتبييض المرجان.
وفي برنامج وثائقي قام به أسطورة الحفاظ على البيئة في العالم المقدم البريطاني سير ديفيد أتمبرا عام 2016 حذر من الخطر المدقع الذي يتربص للجزر وحكم الإعدام الذي سينفذ بها بسبب قلة وعي وإدراك الإنسان والتغير المناخي وسخونة حرارة المحيط وحموضته، ووصل السير أتمبرا رسالة خطيرة إلى العالم مفادها أنه إذا لم يتم فعل أي شيء جذري فستختفي الشعاب المرجانية في غضون عشرات السنين وسينتهي الأمر بغرق الجزر.
وبحسب البنك العالم فمستوى البحر آخذ في الارتفاع وستكون كافة الجزر تحت مياه البحر بعد نحو 81 عاماً من اليوم، وهذه المشكلة ليست جديدة فالكل يتذكر الاجتماع الشهير الذي عقدها رئيس المالديف عام 2009 تحت الماء للفت نظر العالم إلى الكارثة التي تنتظر جزر المالديف التي يعيش أهلها من المردود السياحي.
زيارتي إلى المالديف الأخيرة لم تكن الأولى، ولهذا لاحظت الفرق وتنبهت إلى هذا الخطر، وكم أحزنني أن هذه الجزر الرائعة سينتهي بها المطاف منسية في قعر البحر تاركة وراءها شعباً خلوقاً واجتماعياً من الطراز الأول من دون عمل ومأوى.
في حديث مع مدير أحد المنتجعات السياحية من فئة الخمس نجوم، لفتتني تفاصيل المشكلة البيئية التي تواجه الجزر والمستقبل الداكن الذي لا يحمل في طياته أي بريق أمل، وكيف أن المنتجعات تقوم بما في وسعها لحماية نفسها من الغرق من خلال الستائر الرملية التي تعتبر خلاص الجزر المؤقت لإبعاد شبح الغرق لفترة قصيرة.
المحزن هو أن السياح يأتون إلى جزر المالديف للبحث عن الراحة والاستجمام، من دون التفكير بما يجري تحت أقدامهم، الحقيقة مرة، والأمر هو أن شعب المالديف من أفقر شعوب المعمورة يستقبل الملايين من أغنى أغنياء العالم، وهذا ما يمكن وصفه بسخرية القدر، ففي الوقت الذي يستجم فيه السياح على الشواطئ الرملية البيضاء الناعمة، ترى الرمال تعيش حياة مزدوجة، ففي النهار تكون بساطاً يستريح عليه الأغنياء وفي الليل يتحول إلى ستائر تحميهم من الغرق، وتعمل الماكينات بصمت تام إلى جانب الرمال لإكمال مهمة صعبة لن يساعدها إلا وعي الإنسان وتنبهه لمعضلة البيئة التي ستودي بحياة ليس فقط جزر المالديف إنما أماكن رائعة أخرى في العالم وستغير محتوى «لائحة تحقيق الرغبات» بعد أن يتبقى من الجزر رمالها التي كانت في يوم من الأيام خلاصها.