محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

17 فنزويلية

في ربيع 1981 استقبلت ابن خالتي محمود في لندن. لم يكن زارها من قبل ولا علم له بها سوى أنها عاصمة بريطانيا. استقبلته في المطار وساعدته في حمل إحدى شنطتيه الصغيرتين (لم تكن الشنط ذات العجلات الأربع الصغيرة قد درجت) إلى سيارة تاكسي سوداء.
نظر إليها بهلع وقال: «لا يا محمد. ركّبني سيارة جديدة». قلت له: «اسكت، هذه سيارة جديدة لكن موديلها قديم. كل السيارات كذلك».
صدقني سريعاً عندما تحركت السيارة من المطار قاصدة أحد متفرعات شارع كوينز واي حيث شقتي الصغيرة. الأجرة من المطار إلى هناك لم تكن تزيد على سبعة جنيهات (مع البقشيش). لا أريد أن أذكر سعر التوصيلة هذه الأيام.
مكث محمود في شقتي في لندن. كنت (ولا أزال طبعاً) أكبره بثلاث سنوات، وبالتالي كنا شابين نقبل على الحياة بأذرع مفتوحة. وفي إحدى المرّات قابلت وإياه فتاتين جاءتا من فنزويلا في سياحة وعزمتهما على الشقة… قالت إحداهما إن هناك رفيقات أخريات وستصحبان الباقيات معهما.
لم نمانع، فالدعوة لا تسحب، ولسنا في صدد سحبها، لأن عدد الفتيات سيصل إلى أربع في أغلب التقدير.
في الموعد المحدد وصلت الفتيات…. سبع عشرة منهن!. الشقة الصغيرة امتلأت. معظمهن جلسن على الأرض، وكنت وابن خالتي من الواقفين. نظرت إليه وقلت له بالعربية: «لقد كسرن الميزانية»، لكني كعربي شهم أخفيت ذلك عنهن ومثلت دور من لا يكترث وقصدت مطعم الشاورما القريب واشتريت عشرين رغيفاً. واحد أكلته في المطعم ريثما يتم تحضير التسعة عشر الأخرى، والباقي حملته مع صحون من الحمص وزجاجات البيبسي إلى الشقة، والجميع استمتعن بالطعام وملأن البيت حديثاً بالإسبانية إلا ما تيسر من تبادل بيني وبين بعضهن بالإنجليزية.
بعد ثلاث ساعات انصرفن جميعاً معاً كما جئن معاً. وبقيت وابن خالتي في بيت فرغ للتو من الضوضاء مع نصيب كبير من التنظيف الذي علينا القيام به.
كنت منهمكاً في هذه المهمة في الساعة التاسعة ليلاً أو بعدها بقليل عندما سألني ابن خالتي فجأة: «هل يحدث هذا معك طوال الوقت؟».
أجبت: «طبعاً لا… لكن أتعلم شيئاً؟ هذا نوع من الأحداث الصغيرة التي تمر فلا تنفع ولا تضر وننساها سريعاً…»،
كنت مخطئاً، فهذا الحدث «الصغير» ما زال في بالي المكتظ إلى اليوم.