بعد مرور عشر سنوات على الأزمة التي دفعت بالعالم إلى حافة الانهيار، فإن المستشرفين لمستقبل أقوى اقتصاد في العالم ما زالوا يصرون على أنهم قد نجحوا في الحد من تبعات أزمة مالية عالمية جديدة، وأن مشكلة واحدة فقط قد تبقت، وهي إيجاد نظام مالي مختلف، وليس نظاماً أفضل لإدارة المخاطر.
كنت أجلس في الصف الأول بالمؤتمر الذي تناول الأزمة المالية التي هزت العالم في 2008، والتي نوقش خلالها انهيار بنك «ليمان براذرز» الاستمراري الأميركي. وقد عملت في السابق محللاً لدى صندوق تحوط «دي شاو» الذي يمتلك البنك 20 في المائة من أسهمه. وعملت كذلك في إعداد نماذج لأسواق المستقبل مع لاري سمرز الذي كان مديراً تنفيذياً. في الحقيقة، لقد فاجأتنا الأزمة لأنها أصابت جميع مفاصل الاقتصاد بضرر بالغ. فقد أخبرتنا نماذجنا الحسابية أن تلك الكارثة أمر نادر الحدوث.
ماذا تغير إذا؟ ما تغير لم يكن كافياً. لا تزال النماذج نفسها مهيمنة على الوضع إلى حد كبير. فالبنوك تستخدمها لحساب حجم الخسارة في يوم محدد، والمنظمون يستخدمونها لمعرفة ما إذا كانت البنوك تشارك في مضاربات غير قانونية، وأيضاً لضمان أن لديها رأس مال يكفي لدرء مخاطر أزمة قادمة.
هناك نوعان من الحسابات في مجال التمويل: النوع الأول صمم للتطبيق، والنوع الثاني غير مصمم للتطبيق. النوع الأول مناسب للتجارة تماماً. وقد أراد واضعو النوع الأول العمل به لأنه يضمن الربح، على الأقل في أوقات الرخاء. والنوع الثاني، وهو نموذج درء الخطر الذي صمم لتوقع الأوقات العصيبة. لا أحد يريد التفكير في ذلك، ولذلك فقد صمم ليكون ضعيفاً وظيفياً، وضعيفاً لكي يستغل القوانين، لكنه ليس خاطئاً بدرجة واضحة. ويطلق عليه اسماً معدلاً «شارب» الذي يضمن العائدات ويقلل المخاطر.
لكن نماذج المخاطر الأفضل ليست بالحل الأمثل. فكما أدركت بعد سنوات قليلة من العمل في نماذج الائتمان الاشتقاقي، فإنها سياسة محضة، وليست حساباً. وقد تعلم المصرفيون بالخبرة ألا يجزعوا من الجانب السلبي. فقد قدمت البنوك لهم مساعدات من دون عواقب شخصية، ومن دون تغيير النظام جذرياً. عامة الناس، خصوصاً الملونين الذين استثمروا قدراً كبيراً من أموالهم في العقارات كانوا أكثر من عانى من تبعات الأزمة.
من شأن ذلك أن يثير تساؤلين فلسفيين: الأول: هل من الممكن عمل نموذج للمخاطر؟ أشك في ذلك. هناك العديد من العوائق؛ أهمها البيانات الخاطئة (على سبيل المثال، استخدام ضمانات قروض رهن عقاري قديمة للحصول على قروض جديدة استناداً إلى دخل زائف)، والمعلومات غير المطابقة، والاعتماد على نماذج قديمة لاستقاء المعلومات، ولذلك تعمى أعين الخبراء عن مشكلات المستقبل، وكذلك الاعتقاد الخاطئ بأن الكومبيوتر بإمكانه حل المشكلات التي يعجز عنها البشر. ولذلك ليس من الوارد إيجاد نموذج صحيح لدرئ المخاطر.
ثانياً، ما هو النظام المالي الأمثل؟ كيف سيبدو الأمر لو أننا تعلمنا من دروس الأزمة، وحققنا التوازن مع الربح في المستقبل القريب في مواجهة المنافع على المدى البعيد، وأخذنا العقد الاجتماعي على محمل الجد؟
ما من إجابة سهلة لتلك المشكلة. لكنني لن أكتم أنفاسي انتظاراً لأن تحل الحكمة مكان الجشع. ربما يتطلب الأمر أزمة مالية أخرى لكي ندرك مكان عجزنا. لكن السؤال: كيف سيكون حالنا في هذا الوقت، وهل سنستطيع فعل شيء حيال ذلك؟
* بالاتفاق مع بلومبرغ