عزيزة الحربي
TT

الاستثمار في بنات الوطن

كانت الرياضة السعودية أقرب ما تكون لساحة حرب تعيش فوضى عارمة على مستويات مختلفة؛ («اللي تلعب به أغلب به»، و«خذوهم بالصوت»)، فلا صوت للتعقل أو النظام، وليست هناك خطط واضحة الأهداف مقرونة بمؤشرات أداء، بل أقرب إلى كانتونات وتحزبات وانقسامات وصلت إلى مستوى لغة إعلامية بذيئة جداً. ومع تسلم معالي الأستاذ تركي آل الشيخ دفة ملف الرياضة، وانقسام الآراء حول شخصه وأسلوبه، فإن هناك إجماعا على أنه يعمل وبجد، وتم تحقيق نتائج تعدّ قياسية في وقت قصير، وأعلم أن إعادة هيكلة قطاع الرياضة بهذا الشكل أمر سنجني ثماره على المديين القريب والبعيد، وسيجعل من الرياضة قوة ناعمة تعمل لأجل السعودية في المحافل الدولية.
‏‎قد لا أبالغ إن قلت إن تجربة توطين «أرامكو السعودية» الرائدة لم يتم استنساخها في بقية الجهات الحكومية حتى الآن، باستثناء ما يفعله معالي المستشار حالياً، حيث لفت نظري أثناء متابعة حساب معاليه على «تويتر»، متابعته الشخصية التزام الأندية بأن يكون مع كل مدرب مساعد مدرب وطني، وأن يكون أحد أفراد الطاقم الطبي للأندية أيضاً سعودياً، وهذا الاهتمام الذي يعكس رؤية القيادة، سيمكننا من امتلاك قدرات وطنية تصل للعالمية، وتثري التجربة الرياضية المحلية، وأتمنى من كل قلبي أن تكون النتائج التي سيتمخض عنها هذا التحول الرياضي، بمثابة رحلة إدارية وسابقة جريئة، يحذو حذوها القطاع الخاص بالمملكة، من أجل صناعة قياديات سعوديات مخضرمات، قادرات على صنع التغيير.
‏‎ربما يصف البعض طرحي بالتحيز لبنات جنسي، وأقولها: نعم؛ أنا متحيزة للسعوديات، فالتحيز للنساء واجب لأجل إنصافهن بعد السنين العجاف التي مررن بها، ولأنهن، وحتى على صعيد عالمي، لم ينلن فرصة عادلة في تقلد المناصب القيادية حتى الآن.
وللإنصاف، فإن قطاعنا الحكومي اليوم يسير قدماً في توظيف السيدات السعوديات، إيماناً من قيادتنا بقدرة المرأة السعودية على القيادة وتحقيق نجاحات غير مسبوقة، ولكن القطاع الحكومي لن يتحمل كل هذا العدد من النساء، ولن نغفل حقيقة أن هناك كثيراً من السعوديات لديهن الرغبة في العمل بالقطاع الخاص، وبما أننا نمر بمرحلة تغيير نسابق فيها الزمن لنكون في المكان الذي نستحقه، فلن يلومني أحد إذا قلت إني أحلم... نعم أحلم... والأحلام تتحقق بالعمل الدؤوب والمناخ الملائم؛ أحلم بأن تعين سيدة سعودية في منصب تنفيذي لشركة عالمية تستقطبها لكفاءتها، وبأن يصبح للمرأة السعودية مكان في قائمة السيدات الأعلى أجوراً على مستوى العالم، وكل ذلك لن تستطيع المرأة السعودية أن تعمل على تحقيقه وحدها، خصوصاً في هذه الفترة، ولربما الأجيال المقبلة قد تتمكن من ذلك في ظل هذا التغيير الإيجابي الذي تشهده المملكة، ولكننا لا نستطيع إغفال ضعف تجربة المرأة السعودية في مجال الأعمال دولياً، الأمر الذي وبكل تأكيد سيبعدها عن قائمة الأشخاص المرغوب في استقطابهم من قبل الشركات العالمية، وهنا يأتي دور القطاع الخاص والشركات المملوكة للدولة، بأن تتبنى مبادرة إيصال المرأة السعودية لإدارة الشركات العالمية، ولم لا؟
‏‎وهذه المبادرة ليس المطلوب منها فرض توظيف السيدات السعوديات في مناصب قيادية لغرض تسجيل الحضور، بقدر ما هو إدخالها في برنامج عملي حقيقي لصقل خبرتها المحلية في مجال الأعمال، وليكون انطلاقة للسيدات السعوديات نحو العالمية.
‏‎أنا لا أطلب من القطاع الخاص تبني تجربة الدول الاسكندنافية لإيصال المرأة السعودية للعالمية، ولكني أعتقد بأن استنساخ التجربة الرياضية في تمكين السعوديين من التدريب والطب الرياضي، سيجعل من «أخوات نورة» قائدات عالميات في المجال الإداري والأعمال يشار لهن بالبنان في جميع أرجاء العالم، ولتكن لدينا نماذج أخرى لسلوى الهزاع وخولة الكريع وغادة المطيري، وبما يفوق نماذج شيريل ساندبيرغ.