سوسن الأبطح
صحافية لبنانية، وأستاذة جامعية. عملت في العديد من المطبوعات، قبل أن تنضم إلى أسرة «الشرق الأوسط» بدءاً من عام 1988، كمراسلة ثقافية من باريس، ثم التحقت بمكتب الجريدة في بيروت عند افتتاحه عام 1995. تكتب بشكل رئيسي في المجال الثقافي والنقدي. حائزة درجة الدكتورة في «الفكر الإسلامي» من جامعة «السوربون الثالثة». أستاذة في «الجامعة اللبنانية»، قسم اللغة العربية، عام 2001، ولها دراسات وأبحاث عدة، في المجالين الأدبي والفكري.
TT

نعم... «الجامعة اللبنانية» ونفتخر

ليس مصادفة أن يفتح ملف «الجامعة اللبنانية» مع بدء التسجيل للعام الجديد، مادامت الجامعات الخاصة، تنامت كالفطر وصارت تبحث عن طلاب ولا تجدهم، تريد مداخيل ولا تعثر عليها، وما دام أيضاً أصحاب كثير من هذه الجامعات، لهم من النفوذ ويعرفون من المكائد ما يؤهلهم لزرع ما يخدمهم من الأخبار، وما يساعدهم من الاتهامات.
يخلو من أي براءة الهجوم المستشري، والافتراءات المتزامنة، من أكثر من جهة حتى تظن أن «اللبنانية» باتت أسوأ الجامعات ووحدها التي تستحق النقد والوضع تحت المجهر، وتدبيج المقالات التي تنهش بها. من «الجامعة الأميركية» في بيروت الأعرق عربياً التي صنفت مؤخراً الأولى في المنطقة، إلى أصغر معهد تعليمي في لبنان، كلها تدرك أن العالم يسير بسرعة صاروخية، واللحاق به يحتاج إلى قفزات سوبرمانية، والتحدي صعب. و«الجامعة اللبنانية» يسجل لها أنها لم تتوقف عن نقد ذاتها، لا بل هي من أكثر الجامعات إحساساً بالتقصير ورغبة في التعويض، لكونها الأكبر، والمهاجمون أول العالمين، وبعضهم تخرجوا فيها وعملوا فيها، ويعرفون.
المسافة بين النقد والاتهام شاسعة. الأول يفتح مجالاً للنقاش والآخر يحتاج إلى براهين وإثباتات، كي لا يحول صاحبه إلى متجنٍ. لم تتهم «الجامعة اللبنانية» بتزوير شهادات، وبيع مراتب، وهو ما يحاول أن يوحي به البعض، مستغلاً فضيحة جامعتين خاصتين. ولم نسمع يوماً أن جامعة أوروبية لم تعترف بشهادة الجامعة اللبنانية، وهو ما أكده دكتور جورج كلاس ممثل الجامعة اللبنانية في «لجنة الاعتراف بالشهادات والمعادلات» في التعليم العالي معلناً أن «ليس لهذه اللجنة أي معلومة بأن ثمة أي شائبة حول أي من الاختصاصات أو الشهادات التي تصدرها كليات الجامعة اللبنانية التسعة عشرة». أما الذين يدّعون أنهم يقرأون المستقبل المظلم، فلهم تمنياتهم التي لن تتحقق. المنح لا تزال تعطى لطلاب اللبنانية من أحسن الجامعات، وبينهم متميزون ومتفوقون ونوابغ أيضاً.
نصف خريجي لبنان هم أبناء الجامعة الوطنية، الإعلام في غالبيته الساحقة ابنها، ويصدر كفاءاته إلى الدول العربية، وكذلك إدارات الدولة، وأطباء الأسنان الذين يقصدهم المغتربون من كل بلد.
أحياناً عليك أن تعكس السؤال، كيف سيكون لبنان من دون الجامعة اللبنانية؟ الحديث عن المؤسسة التعليمية الوحيدة التي تستقبل كل المواطنين بسعر رمزي.
ومع ذلك بلغ الوضع الاقتصادي تردياً أن ثمة طلاباً لا يستطيعون توفير ما يقارب 150 دولاراً للتسجيل، أو يسجلون وليس بوسعهم دفع كلفة تنقلاتهم، فيبقون في بيوتهم. ثمانون ألف طالب ما يقارب أربعين في المائة من شبان لبنان، من يستقبلهم غير حضن دولتهم والطالب في الجامعة الخاصة قد تصل كلفته إلى 30 ألف دولار في كلية الطب. أن يقال لكل هؤلاء غداً لن يعترف بكم أحد، من باب التكهنات والمهاترات، لهو - حقاً - مما يستحق مكافحته.
قل ما شئت عن الجامعة اللبنانية، وعن التدخلات السياسية، فهي كما أي مؤسسة ووزارة في هذا البلد الذي يحتفي بمئويته بعد سنتين، وكأنه يحتاج إلى إعادة تركيب من جديد. إنما من العدالة القول أيضاً، أن ثمة في داخل الجامعة جسداً يقاوم، هناك أساتذة يعصون، وكادر أكاديمي يحاول أن يستقل، أن يحيد نفسه عن ضغوطات الأحزاب. من السهل أن تتحدث من خارج الجامعة، لتقل ما تريد، ومن العسير أن تدرك بأن ما يحدث في الداخل ليس دائماً ما يسعد الأحزاب ويطمئن خاطرها، وأن هناك من يحاول دائماً، فيخيب مرة، وينجح مرة أخرى.
الجامعة كما الوطن ليست في أحسن أحوالها، وإصلاحها ليس خياراً ولا ترفاً، واستقلاليتها أولوية تستحق جهاداً من أساتذتها وطلابها وعائلاتهم معهم. وهي لم ولن تستسلم لأنها حاجة كالماء والخبز، ولأنها لم تولد بفعل قرار بارد، كما الجامعات الرسمية العربية التي جاءت لتؤمن للمواطنين حقوقهم. كلية التربية، النواة الأولى للجامعة ولدت بعد مظاهرات واشتباكات مع رجال الأمن، وإضرابات ومطالبات حثيثة، واحتاجت إلى سنوات لتبصر النور منتصف القرن الماضي، بعد أن كان التعليم لأصحاب الأموال والمقدرات، وحكراً على الجامعات الإرسالية التي ولدت مائة سنة قبل الجامعة الوطنية وبقيت وحيدة وفريدة.
عشرات الدكاكين فتحت في السنوات الأخيرة باعتبارها جامعات وكليات، وبينها ما لم يسجل فيها إلا بضع عشرات من الطلاب. أكثر من 40 جامعة جديدة ليس لديها مجتمعة أكثر من 15 ألف طالب، ولا بد أنها تحتاج إلى المزيد، وليس لها من خزان طلابي سوى «الجامعة اللبنانية» التي تشوه سمعتها تارة، ويغرى طلابها بخفض الأسعار تارة أخرى وتقسيط المستحقات حين يلزم الأمر، والقروض الميسرة حين لا يبقى من سبيل لإقناعهم بالانتقال.
ليس الهجوم الأول ولن يكون الأخير. تكاد تصبح «الجامعة اللبنانية» يتيمة لكثرة ما تتلقى من طعنات، فلا تنصفها دولة ولا يرأف بها أقرباء. وهي رغم ذلك، ومع أنها ممتحنة في كل صباح، لا تملك سوى أن تلملم جراحها وتضمد نزفها وتسير، لأنها تعلم ويعرف طلابها وأساتذتها، أنها «جيش لبنان الثاني» كما يقال دائماً. تمرض، تتعافى، تقوى، تضعف، لكن لا يحق لها أن تستسلم، لذلك نعم نحب «الجامعة اللبنانية» وندافع عنها ونفتخر.