كان في قديم الزمان كاهن يدعى فالنتاين، يخدم رعية إحدى كنائس روما في القرن الثالث.
عندما ارتأى الإمبراطور كلاوديوس الثاني أن الرجال غير المتزوجين يؤدون مهام العسكرية أفضل من هؤلاء المتزوجين، ومن هم لديهم عائلات وأطفال، منع زواج الرجال اليانعين في السن. فأخذ فالنتاين المسألة على عاتقه وقرر مساعدة العشاق على الزواج، وتسهيل أمورهم بالسر، إلى أن جاء اليوم الذي اكتشف فيه الإمبراطور فعلته، فأمر بقتله، ليصبح بعدها فالنتاين قديس الحب والأحباب.
هذه هي باختصار قصة القديس فالنتاين الذي تحول رمزا للحب الذي يحتفل به سنويا في الرابع عشر من فبراير (شباط) تخليدا لذكراه. والسبب في تلاوة القصة في هذه المقدمة هو أن القليل ممن يحتفلون بالمناسبة يكترثون لمعرفة مصدرها؛ لأن الأهم هنا ببساطة هو المعنى السامي فيها الذي لا يستدعي الفتاوى؛ لأن الحب والمحبة هما أهم ما في الحياة ومصدر السعادة المطلقة.
الحب له عدة معانٍ، وينطبق على عدة علاقات، وليس هناك عيب في الاحتفال به للتعبير عن المشاعر النبيلة بين زوج وزوجته، وبين حبيب وحبيبته، وحتى الحب الذي يجمع الأصدقاء فهو جميل.
في الماضي كنت أعتقد بأن حب الذات يعني الأنانية والنرجسية، إلى أن علمتني الحياة أن المعنى أعمق من ذلك؛ لأن الحب ينبع من الداخل ومن الذات، وإذا لم تستطع حب ذاتك فلن تفلح في حب الآخرين.
وما شدني منذ يومين، ومع اقتراب هذه المناسبة التي تحولت إلى مصدر ربح ضخم يعول عليه الاقتصاد العالمي، وجود من يفتون في الحب ليطمئنوا القلوب بأن الحب وارد ولا ضرر فيه.
ولكن هل يعقل أن ننتظر تفسيرات الحب؟ فمن شعر بالحب في القرن الثالث لم ينتظر فتوى، إنما انتظر من يقدر هذا الشعور الجميل الذي لا يمكن أن يجتمع مع الأنانية، وإلا فهو ليس بحب.
العتب الوحيد على المحتفلين بعيد الحب بعيدا عن أسبابه وتاريخه، هو أنهم يركزون على الماديات متناسين الحيثيات الأساسية.
ففي بريطانيا فقط، من المنتظر أن يكون معدل الإنفاق الفردي على الزهور وبطاقات المعايدة والشوكولاته نحو 22 جنيها إسترلينيا، وسيصل عدد الذين يتبادلون بطاقات المعايدة 22 مليون شخص.
ولكن المؤسف في هذه المعادلة هو الضغط الذي يتكبده الأقل حظا في الحب، مما يضطرهم لإرسال بطاقات معايدة وزهور لأنفسهم، وبحسب إحصائية نشرتها إحدى الصحف البريطانية، يبلغ عدد هؤلاء أكثر من مليوني شخص.
كما أن نسبة 18 في المائة من الأهالي يبادرون بإرسال المعايدات أو الزهور لفلذات أكبادهم، كي لا يشعروا بالوحدة في وقت يجتمع فيه الأحباب.
الأسف الوحيد في الاحتفال بعيد الحب هو أنه يستحق التذكر يوميا؛ لأنه مصدر كل شيء جميل في الحياة.
ولكن في أيامنا هذه، فقد العيد رونقه ومعناه، وتعداه ليصبح مناسبة تتنافس فيه الفتيات على الهدايا، وينفش الرجال ريشهم وكأنهم طواويس ربحت جائزة اليانصيب.
من أجمل ما شاهدته أخيرا على شبكة التواصل الاجتماعي، فيديو كرتوني مصور، يحكي قصة ثلاثة رجال طاعنين في السن: الأول يُدعى «حب»، والثاني يُدعى «ثروة»، والثالث يُدعى «نجاح»، تقوم امرأة باستئذان زوجها لدعوتهم إلى داخل المنزل لتفادي البرد القارس، ولكن الرجال أجابوا بأنهم لا يستطيعون الدخول بعضهم مع بعض مرة واحدة، وتركوا لها حرية اختيار الرجل الذي تريده في منزلها، وبعد مشاورات مع الزوج والابنة اختارت أن يدخل الحب المنزل، وما أن دخل الحب حتى تبعه النجاح والثروة. وعندما سألت المرأة: لماذا دخل الرجال الثلاثة معا؟ أجاب «حب»: متى وجد الحب تبعه النجاح والثروة. وهذا أفضل دليل على أن الحب ليس بحاجة للإفتاء به؛ لأنه فوق كل اعتبار وأجمل ما في الوجود.
وهذه عبرة حقيقية؛ لأن الحياة لا تستحق العيش من دون حب ومحبة.
7:52 دقيقه
TT
الإفتاء في الحب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة