هناك حالة تماهٍ عجيبة بين تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والرأي العام في المملكة. قبولها والترحيب بها لأسباب كثيرة، منها إنها مرتبطة بالأمل والمستقبل وللحالمين فقط. الحديث عن التطرف كان خطاً أحمر، لكن الشعب كان ينتظر تحريره من الخطوط الوهمية التي صنعتها جماعات اختطفت الابتسامة والفرحة، وغلفت المجتمع بلون واحد وشكل واحد ورأي واحد، لأنها ترى كل ما يخالف ذلك يخالف العقيدة.
حين أعلن الأمير محمد عودة السعودية إلى ما كانت عليه، أظهر هذا ضمن خطط تنمية جديدة، في جدول أعمال ورشة التحديث الكبرى التي تعيشها السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز زمام الأمر في يناير (كانون الثاني) 2015. عندما يقول ولي العهد إن «السعودية لن تضيع السنوات الثلاثين المقبلة في التعامل مع هذه الأفكار المتطرفة»، ووعد بتدمير هذه الأفكار المتطرفة فوراً، فهو يتحدث مستشرفاً المستقبل، وأنه لا يمكن إطلاقاً إحداث نقلة اقتصادية في ظل وجود متطرفين يريدون أن يقيدوا المجتمع بعادات وتقاليد بالية، ويراقبوا حتى تحركات الإنسان الشخصية.
حين عجز تنظيم القاعدة أثناء نشاطه في السعودية في الفترة من 2003-2006 عن خلخلة منظومة الأمن، وزعزعة الاستقرار، جاءته التعليمات من قندهار لاستهداف آبار البترول ومعامل التكرير في بقيق شرق المملكة. ولكنه وجد يداً فولاذية أحبطت أعماله وخيّبت آماله، وقطعت أوصاله.
هؤلاء المتطرفون الإرهابيون ضيقو الأفق هاجسهم هو العمل على نشر شبح الموت والدمار في كل ركن من أركان المعمورة، وهم أصلا لا يفقهون قيمة الحياة ولا حتى الموت. المتطرف يسعى دوماً لاستهداف الاقتصاد والتحديث، لكنه لا يستطيع أن يبدي رأياً في إشكاليات البطالة والإسكان، بل لو طلب من مجموعة من المتطرفين وضع خطة نهوض اقتصادية بالبلد مثلاً، فسيرددون عبارات مستهلكة مكرورة، دون معرفة حقيقية بالعرض والطلب، وأسواق العالم من طاقة وغذاء وماء وغيرها. هذه ضريبة الانغلاق على النفس والتعالي على الحقائق.
اليوم قررت السعودية المضي للمستقبل، مصافحة الأحلام وتحويلها لحقائق، إنشاء مدينة جديدة كلياً بشراكات دولية، على حدود 3 دول. كل هذا يحتاج إلى إرادة، وهي موجودة، ويحتاج إلى طاقة، وهي متمثلة في عراب الرؤية الاقتصادية للمملكة الأمير محمد بن سلمان، الذي أعلن الحرب ليس على التطرف فحسب، بل على إدمان النفط أيضاً.
التحرر من القيد أولى خطوات الانطلاق، وها هي السعودية تعلن استعدادها لتدمير التطرف وبناء مستقبل لا يعتمد على النفط الزائل.
ورشة العمل التحديثية الكبرى التي تعيشها الرياض، من رؤية طموحة وبرنامج تحول وطني، ومبادرات للمستقبل وقرارات متسارعة كان من المفترض أن تتخذ منذ سنوات، كل هذا لن يجعل للمتطرفين من خيار إلا باندماجهم في المجتمع ونبذهم للتعصب والانحراف، ومساهمتهم في البناء، وإلا سيدفعون ثمناً غالياً يكون بإقصائهم عن قطار التحديث المتسارع. الاقتصاد والتنمية يفتتان التطرف حين تكون الخيارات أوسع وأكبر، وتكون مصادر الدخل متعددة، والأعمال حديثة. الخيار الوحيد للمتطرف هو نبذ العنف والتسلح بالعلم، والبحث عن فرصة عمل تواكب العصر.
يسير القطار السعودي بسرعة عالية نحو صنع التقدم والازدهار والنماء، تاركاً خلفه المحبطين والمتشائمين والمتطرفين الذين سينساهم التاريخ والناس أجمعين.
8:2 دقيقه
TT
الاقتصاد مفتتاً للتطرف
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة