جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

عشيق إلكتروني

تبحث في أحد مواقع الإنترنت، يظهر مربع فيه كتابة أشبه بالهيروغليفية، فيها أرقام وحروف، ويطلب منك إعادة كتابها، وإذا فلحت في نقل تلك الطلاسم بطريقة صحيحة، تأتيك رسالة تقول: «أنت لست روبوتاً»، وبالتالي تتمكن من متابعة ما تود الحصول عليه من معلومات.
في المكتب أتصفح الأخبار الآتية من وكالات الأخبار وأكثر كلمة تتكرر، خارج إطار الحرب في سوريا ومآسي العالم الجدية، هي كلمة «روبوت». وهنا الروبوت يتبوأ عدة مناصب، فهناك روبوت يعمل ككاهن يقود الجنائز البوذية، وهناك روبوت يعمل صحافياً، وهناك آخر يعمل طبيباً جراحاً يقوم بتأدية أصعب العمليات وأكثرها تعقيداً على بني البشر، وهناك الروبوت «يومي» قائد الأوركسترا الفيلهارمونية لوكا الذي يقود فرقة عزف التينور الإيطالي أندريا بوتشيلي، وهناك روبوت يقوم بتصنيع السيارات مثل «بي إم دبليو»، وغيرها من كبرى الشركات العالمية، والروبوت يقوم حتى بتلاوة القرآن، حيث شهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، تفاصيل عقد قران اثنين من فريق العمل بمكتبه، الذي جرى عبر روبوت يربط بين قاضٍ في المحكمة، وأهل العروسين والشهود.
حتى صندوق الاستثمارات العامة السعودي يخطط لإجراء دراسة مشتركة حول كيفية استخدام أجهزة الروبوت بشكل أكثر فاعلية في الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع.
وابتكر فريق من الباحثين في سويسرا روبوتاً جديداً صغير الحجم يمكن أن يساعد في ترتيب الأواني المنزلية، وتنظيف النوافذ، وإحضار المشروبات، وغير ذلك من المهام البسيطة التي يحتاج إليها البشر.
ولا حاجة لأمثال محمد علي كلاي بوجود أبطال المصارعة الروبوتيين، حيث أُقيمت مسابقة مصارعة الروبوتات على هامش مؤتمر الروبوت العالمي في بكين، حيث جلب المولعون بهذا النوع من المنافسة أجهزة الروبوت الخاصة بهم للاستمتاع بمشاهدتها وهي تتصارع للفوز باللقب.
الروبوت أصبح من بين أكثر ما يهدد كيان الإنسان ووجوده، فهو يقوم بأعمال لا يمكن أن يقوم بها الإنسان، ففي الماضي كنا نسأل من هم أكبر منا سناً عن معلومة أو نصيحة، أما اليوم فأصبح العم «سيري» هو الصوت الذي نلجأ إليه لمعرفة أي عنوان أو معلومة مهما كانت كبيرة أو صغيرة.
خلال زيارة لي لمصانع سيارات «بي إم دبليو» في ميونيخ، لفتني التعويل الكبير على الروبوتات في تجميع قطع السيارة من البداية إلى أن تصبح جاهزة وبانتظار صاحبها، فهناك روبوتاً يختص بالأعمال الكهربائية، وآخر يعنى بطلي هيكل السيارة من الخارج... وأكثر ما لفتني هو أن الروبوتات في الشركة تعامل تماماً مثلما تتعامل إدارة الشركة مع الموظفين الآدميين، وشرح لي أحدهم أن الروبوت يحصل على قسط من الراحة خلال اليوم، كما يحصل على إجازة كل أسبوع، والروبوت يتقاعد عند وصوله إلى السن القانوني «الروبوتي» للتقاعد، والروبوت يموت عندما يتعطل بالكامل، ولا يكون من الممكن إنعاشه أو تصليحه، والفرق ما بين الإنسان والروبوت في هذه الشركة، كما شرح لي المسؤول، هو أن الروبوت أغلى ثمناً من الإنسان، فتكلفته غالية جداً، ويقوم بعمل لا يمكن للإنسان أن يقوم به.
عندما زرت الشركة ورأيت كيفية عمل الروبوتات، أدركت أن مستقبل الإنسان مهدد من قبل تلك الكائنات التي خلقها الإنسان لتحل مكانه.
والروبوت أصبح اليوم يحل مكان الإنسان من ناحية الحب والعشق والحميمية. ففي موضوع نشرته «الإندبندنت» منذ يومين، توصل أحدهم إلى ابتكار روبوت على هيئة امرأة رائعة الجمال وأطلق عليها اسم تانيا، وسعرها 11 ألفا و600 جنيه إسترليني، تتكلم ويمكن أن تحل مكان الزوجة أو الصديقة؛ مهمتها السهر على راحة شريكها وإسعاده.
فهل يا ترى ستقوم تانيا بوضع نساء العالم غير المتزوجات في خانة العنوسة؟ لأنه إذا فكرنا عقلانياً فنرى أنه بسعر تانيا تشتري الحب وراحة البال، وتكون شريكاً قليل الطلبات والمتطلبات.
ولكن هل هناك أسوأ من العشق المبرمج والأحاسيس الإلكترونية ؟ وهل أسوأ من التفكير بأن الطلب على الروبوت أكبر منه على البشر؟
يا إلهي نجنا من الروبوتات!