طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ضحك ولعب وجد وسينما!

لا أتصور أن هذا التعبير «أفلام مهرجانات وأفلام جمهور» بات صحيحا، لأن السينما مصنوعة أساسا للفرجة وليست للحصول على جوائز، لا بأس بالطبع من الجمع بين تصفيق الجمهور وثناء النقاد.
لا نزال في بدايات مهرجان «كان» في طبعته رقم «67»، وأغلب ما شاهدته؛ سواء داخل المسابقة الرسمية أو خارجها تلمح فيه الحس الجماهيري، بداية من فيلم الافتتاح «غريس أوف موناكو» بطولة نيكول كيدمان إخراج أوليفييه داهان، الذي أراه بلا طموح جماليا خاصا، ولكنه يمتلك قدرة على الجذب الجماهيري، وأفلاما أخرى في «المسابقة الرسمية»، مثل «المخطوفة» للمخرج الكندي الجنسية المصري الميلاد أتوم أجويان، الذي قدم إطارا بوليسيا ممتعا، أو فيلم «قصص متوحشة» الأرجنتيني للمخرج داميان زيفرون الذي مزج عدة أفلام قصيرة مغرقة في الدموية، ولكنه يجبرك على أن لا تتوقف عن الضحك، وفي قسم «نظرة ما» الفيلم الفرنسي «الغرفة الزرقاء» للمخرج والممثل اماثيو اميرلك، في رؤية عاطفية عنيفة، لاحظت أن عددا من الأفلام حظي بالتصفيق ليس فقط بعد نهايتها، بل أثناء العرض، وهي بالطبع من الحالات الاستثنائية.
تاريخ السينما لا يُرصد بإنتاج أول فيلم، كما قد يعتقد البعض، ولكن بعرضه جماهيريا، ومقابل تذكرة، مثلما حدث في باريس عام 1895، حيث شهد الجمهور فيلم «خروج العمال» للأخوين لوميير في مقهى الـ«غراند كافييه»، مقابل «فرنك»؛ العملة الفرنسية قبل «اليورو»، وفي العادة، فإن المهرجانات تفتح شباك التذاكر، ومن خلال إقبال الناس تحدد «ترمومتر» النجاح.
في عالمنا العربي، نجد عددا من السينمائيين عندما ينكرهم الجمهور ولا يقبل على أفلامهم يقولون إنهم ينتظرون حكما آخر، وهو المهرجانات والنقاد، قد يصنع البعض خطا وهميا بينهما، ولدينا أفلام عربية، مثلا الفلسطيني «يد إلهية» لإيليا سليمان، الذي اقتنص قبل نحو عشر سنوات من مهرجان «كان» السينمائي جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ثم حقق نجاحا تجاريا عند عرضه في العديد من دول العالم، الفيلم الفرنسي «الأزرق الأكثر دفئا» للمخرج التونسي عبد اللطيف كشيش الحاصل على سعفة «كان» العام الماضي، حقق إيرادات مرتفعة ولا يزال!
لديكم فيلما «تايتانيك» و«مليونير العشوائيات» الحائزان على الأوسكار حصدا أعلى أرقام في الشباك، بل إن «تايتانيك» لجيمس كاميرون بنسختيه ذات البعدين والثلاثة، صار يعد الآن هو الأول في الإيرادات على مستوى العالم.
وفي خريطة السينما العربية عدد من الاستثناءات، وهي تلك الأفلام التي ناصبها الجمهور العداء، بينما انتصر لها النقاد والمهرجانات، أتذكر على سبيل المثال «باب الحديد» ليوسف شاهين، ومع مرور السنوات أصبح فيلما جماهيريا يقبل عليه المشاهدون عندما يعاد عرضه في الفضائيات، محققا أرباحا وصلت إلى 100 ضعف ميزانية إنتاجه، وكان الراحل يوسف شاهين يقول لي إنه يشعر وكأنه يولد من جديد مع كل عرض جماهيري لفيلمه، الذي مر عليه 60 عاما.
المسافة التي كانت شاسعة بين أفلام المهرجانات وأفلام الجمهور باتت أو كادت تنحصر في تلك التجارب، التي تحمل روحا تجريبية، والمهرجانات من ناحيتها أصبحت تضع هذه الأفلام على هامش المسابقة، لأن الأفلام صنعت من أجل الجمهور «قاطع» التذكرة وليس الجمهور الذي «يقاطع» شراء التذكرة.
أتصوره درسا مهما لعدد من السينمائيين العرب، عندما يعتقد بعضهم أن هناك فيلما تجاريا مليئا بالمشهيات التي يريدها الجمهور، وآخر للمهرجانات يموت عند عرضه بالسكتة الجماهيرية، الفيلم السينمائي الممتع هو الذي تجد فيه فيضا من الضحك واللعب والجد والحب، وهو ما عايشته في «كان».