جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

عازب بريطانيا والصبايا

لا تزال في بريطانيا عادات عديدة بدءا بتقليد الشاي الإنجليزي بعد الظهر ومرورا بتناول الدجاج المشوي يوم الأحد وانتهاء بالزيجات المدبرة في طبقات معينة من المجتمع.
يسأل الأميركيون، على وجه الخصوص، البريطانيين أسئلة غريبة ولكنها من وحي الصورة التي يكونها القابعون على الجهة الأخرى من المحيط. ومن بين أشهر الأسئلة: «هل تتناولون الشاي عند الساعة الخامسة من بعد ظهر كل يوم؟ هل قابلتم الملكة؟ هل قابلتم كيت ميدلتون؟ هل تمطر دائما في لندن؟».. وتطول لائحة الأسئلة.
في الحقيقة، هناك بعض الأشياء التقليدية الإنجليزية التي لا تزال قائمة وبقوة في أيامنا هذه ولم يبدلها أو يلغيها تطور الزمن، مثل بعض الرياضات التي يزاولها البريطانيون بلباس معين مثل صيد الطيور وشتى الطرائد وصيد السمك والبولو... والأهم «تدبير العرسان» في الطبقات الاستقراطية البريطانية.
قمت برحلة صيد أخيراً على ضفاف أحد أنهر البلاد، وما أن انطلقت الرحلة من وسط لندن حتى سمعت أن العازب الإنجليزي الأشهر توماس فان ستروبينزي، صديق الأمير وليام المقرب، سيكون من بين الحاضرين. ولم تخف كلير التي كان من ضمن المدعوين اهتمامها بعرض صديقتها الأصغر سنا على العريس. كيف لا والقدرة الإلهية فقط جعلته يعود إلى ساحة الزواج من جديد بعدما انفصل عن زوجته ابنة الإيرل والحسب والنسب منذ ثلاثة أشهر فقط.
وصدقوني.. لم أسمع، على طول الطريق، إلا باسم السير توماس. وعندما وصلنا إلى الريف الإنجليزي، ظهر توماس بطلة أقل من بهية بلباس الصيد وقبعة بالية من أيام الملكة فكتوريا. وأصبح المشهد أكثر إثارة عندما بدأت صبايا القرية يتهافتن على موقعنا على ضفة النهر تماما مثل تهافت النحل على رحيق الزهور. فترى الأب اصطحب ابنته والأم اصطحبت ابنتها والأخت جاءت مع أختها..
كان الطقس باردا، فتقوقعت في زاوية محمية من النسمات الجليدية بعز صيف إنجلترا، ورحت أراقب ما يجري من حولي. وبعدما سيطرت على مداخل ومخارج نقطة مخيمنا حيث سنتناول غداءنا لاحقا، وجدت نفسي أضحك وأتذكر مواقف مماثلة من فيلم سندريللا من إنتاج ديزني، عندما بدأت الفتيات يعرضن أرجلهن على مبعوث القصر لكي يفزن بقلب الأمير، وتذكرت أيضا مشاهد من أفلام إنجليزية بالأبيض والأسود أو فيلم «برايد إند بريدجيديس»، بالفعل المشهد كان غريبا بعض الشيء خاصة وأننا في هذه الحقبة من الزمن.
عندما زرت الهند، نزلت في فندق تاج محل في مومباي. وحينها أشار أحد المسؤولين في الفندق إلى زاوية جميلة من المطعم الرئيس الانيق، وقال: «على تلك الكنبة هناك تحصل كل صفقات الزواج ما بين العائلات الميسورة في الهند» فسألت: «هل تعني هذا ما كان يحدث في الماضي؟». فأجاب: «لا.. إنه يحدث الآن أيضا».
وهذا إذا ما دل على شيء، فإنه يدل على أهمية تزاوج أبناء العائلات الأرستقراطية، في أي من بقاع العالم، من بعضهم بعضاً.
وبالعودة إلى العازب الأشهر في بريطانيا حاليا، فهو لم يأت ليختار عروساً له، ولكن كيفية عرض العائلات للفتيات كان لافتا.
وعندما غمزت كلير بعينها لتحث صديقتها على سلب قلب العريس، مشيرة لها إلى النهر والصنارة، هبت تسأله بأن يرافقها إلى الماء لتعليمها الصيد، وهكذا حصل.
ولكن وبعد جهد جهيد، وبعدما أجبرت المسكينة نفسها على صيد السمك، لم تستطع اصطياد العريس وفلت من شباكها تماما، مثلما فلتت أسماك النهر من صنارتي.
وفي طريق العودة إلى لندن سألتها: هل سنسمع خبراً سعيداً قريبا؟ أجابت: «بصراحة حياة الأرستقراطيين صعبة». وكانت الغصة في حنجرتها لأن حلم الارتباط بتوماس تبدد وكان لا بد أن تلقي بشباكها في نهر آخر.