إميل أمين
كاتب مصري
TT

الشرق الآسيوي على صفيح ساخن

هل تحولت قارة آسيا التي خلفت وراءها الحروب منذ عقود عدة إلى قارة محتقنة، تكاد نيران الخلافات السياسية، والصراعات القومية والطموحات العسكرية أن تحولها إلى قارة مشتعلة بالحروب الكارثية؟
مشاهد عدة تدفعنا إلى البحث في طريق إيجاد جواب عن السؤال المركب المتقدم. وفي المقدمة من تلك المشاهد، ما أقدمت عليه كوريا الشمالية من إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات.
هل كوريا الجنوبية فقط مَنْ انزعج من صاروخ كوريا الشمالية؟
بالقطع لا، ذلك أن بقية دول الجوار الآسيوية استشعرت خطراً كبيراً، وفي المقدمة منها اليابان، وفي الولايات المتحدة، وبمجرد ورود أنباء عملية الإطلاق غرد الرئيس دونالد ترمب على «تويتر» قائلاً: «كوريا الشمالية أطلقت للتو صاروخاً آخر»... مضيفا «أليس لدى هذا الرجل شيء أفضل يفعله في حياته؟».
على أن السؤال «هل سيكتفي ترمب بالتغريد، أم أن خططه لمواجهة بيونغ يانغ كفيلة بأن تحيل استقرار آسيا إلى فوضى وسلامها إلى حروب وقتال؟».
ولهذا؛ فإن كل سيناريوهات التعاطي مع كوريا الشمالية واردة بما فيها الصدام العسكري النووي؛ الأمر الذي دعا روسيا والصين إلى التصريح علناً بأن المواجهة المسلحة بين واشنطن وبيونغ يانغ يمكن أن تقود إلى تداعيات كارثية.
على أن السؤال الأخطر هو: كيف سيكون موقف بكين وموسكو، وهل ستسمحان بمثل هذه الحرب أو استخدام أسلحة نووية أميركية بالقرب من جغرافيتهما؟
والثابت أنه في الطريق إلى آسيا هناك ملفات أخرى تدفع المشهد لكي يزداد احتقاناً، وبخاصة في ضوء مخاوف حقيقية من اندلاع حرب بين دولتين يبلغ عدد سكانهما 2.7 مليار نسمة... ماذا عن هذا التصعيد؟
في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) الحالي حذرت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية من احتمالات نشوب حرب بين الصين والهند، والأولى يبلغ سكانها 1.4 مليار نسمة، بينما الثانية يصل تعدادها إلى 1.3 مليار نسمة.
قبل فترة قريبة كانت الهند تندد بشق الصين طريقاً على مقربة من الحدود المتنازع عليها عند ولاية «سيكيم الهندية»، معتبرة أنه «يثير مخاوف أمنية»، ومن جانبه كان وزير الدفاع الهندي آروف جاريتلى يصرح بأن «الهند عام 2017 مختلفة تماماً عما كانت عليه في عام 1962»، وهو العام الذي شهد الحرب الصينية - الهندية... هل كان الرجل يلمح إلى تحول الهند إلى قوة نووية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، غير أن الرد الصيني لم يتأخر طويلاً؛ إذ أشار البروفسور وانغ ده هوا، الأستاذ في جماعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن «الصين أيضاً أصبحت مختلفة عما كانت عليه عام 1962»، والقصد هنا غالباً يحمل أكثر من معنى ومبنى، الأول اقتصادي، حيث تحولت الصين إلى قوة كبرى مالية حول العالم، والثاني عسكري عبر رؤوس نووية، وقوات نظامية يبلغ عددها نحو 4.5 مليون جندي، وأسلحة حديثة وحاملات طائرات صينية الصنع.
علامة استفهام لا تقل خطورة عما تقدم: «هل يمكن لليابان أن تبقى طويلاً وبعيداً عن هذا الاحتقان؟
بالقطع لا يمكن حدوث ذلك لسببين:
الأول: آيديولوجي يرتبط بتغير منظومة الأفكار السياسية السائدة في اليابان منذ الحرب العالمية الثانية ونهايتها حين استسلمت اليابان، فقد عمل اليمين الياباني المتصاعد على تقوية الاتجاهات التي ترى ضرورة انسلاخ طوكيو عن واشنطن، وإعادة بناء القوات المسلحة اليابانية بصورة قوية لملاقاة تهديدات الدول المجاورة في آسيا، والمعروف أن اليابان وإن كانت لا تملك أسلحة نووية في الحال، فإنها يمكنها أن تحوزها في فترات قصيرة زمنية لا تتجاوز الأشهر الست، إذا خرج القرار السياسي.
الآخر: عسكري ويرتبط بخطط اليابان الماضية قدماً في تجهيزاتها العسكرية لملاقاة تهديدات كوريا الشمالية بنوع خاص، وقد بدأت اليابان بالفعل اختبارات استعراضية لمنظومات PAC - 3 الصاروخية المضادة للصواريخ في القواعد العسكرية بضواحي العاصمة طوكيو. ولهذه الاختبارات هدفان أساسيان: استعراض استعداد البلاد لردع التهديدات الكورية الشمالية لمواطني البلاد، وإبلاغ الدول المجاورة أن طوكيو تنوي لعب دور نشيط في مجال أمن آسيا. وتؤكد طموحات طوكيو التدريبات البحرية المشتركة مع دول جنوب شرقي آسيا «آسيان»، في بحر الصين الجنوبي، وكذلك تعزيز التعاون العسكري مع الدول التي لديها نزاعات إقليمية مع الصين.
تضيف اليابان رصيداً جديداً لآسيا المحتقنة؛ ذلك أن استعراضها لتعزيز قدراتها الدفاعية ليس موجهاً إلى الداخل فقط، أو إلى كوريا الشمالية، بقدر ما هو رسالة استباقية إلى الدول المجاورة.
تنص المادة التاسعة من الدستور الياباني على أن اليابان تمتنع إلى الأبد «عن الحرب» كحق سيادي للأمة، وكذلك عن «التهديد بالقوة المسلحة واستخدامها» في تسوية القضايا الدولية، لكن يبدو أن اليابانيين الناظرين لأحوال القارة المحتقنة إلى حد الاشتعال في طريقهم لتغيير الدستور عينه، ولا سيما أن صقور الحرب في النخبة السياسية اليابانية تدعو إلى عسكرة البلاد، وإعادة النظر في نتائج الحرب العالمية الثانية.
لم تعد هناك بقعة أو رقعة هادئة على وجه البسيطة؛ ما يجعل أحاديث القارعة الكبرى حقيقة ممكنة لا خيالاً متصوراً.