نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

من يملك حق تنظيم الإنترنت؟

هل تملك كندا الإنترنت؟ قد يبدو السؤال أقرب إلى كونه مزحة، لكنه في واقع الأمر تحدٍ حقيقي يفرضه قرار للمحكمة العليا الكندية صدر الأسبوع الماضي. كانت المحكمة أصدرت أمرًا لـ«غوغل» بحذف نتائج البحث التي تسمح لأحد طرفي الدعوى القضائية بانتهاك الحقوق الفكرية للطرف الآخر ـ ليس فقط في كندا، وإنما عالميًا.
وقد حاولت المحكمة تجنب القضايا العسيرة المرتبطة بحرية التعبير بقولها إنها لا تمت إلى هذه القضية. بيد أن ما يجعل هذه السابقة على درجة بالغة من الأهمية أنها تثير معضلة جوهرية، حول من يملك حق تنظيم الإنترنت من خلال إصدار أوامر للشركات المالكة لمحركات البحث، ووسائل التواصل الاجتماعي.
من جهتها، أوضحت المحكمة العليا الأميركية في وقت قريب أنها ترى أن التعديل الأول يمنع في الجزء الأكبر منه الحكومة الأميركية من الاضطلاع بمثل هذا التنظيم. ويترك هذا تلك المهمة لحكومات أخرى مثل كندا ـ أو ألمانيا التي سنت، الجمعة، قانونًا يجبر المؤسسات المعنية بوسائل التواصل الاجتماعي بحذف المحتوى غير المرغوب فيه.
الملاحظ في عصر الإنترنت وجود وجهتي نظر متعارضتين إزاء من ينبغي له تولي تنظيم الإنترنت، مع افتراض وجود من يتعين عليه الاضطلاع بهذه المهمة من الأساس. داخل الولايات المتحدة، يجري التعامل مع الإنترنت باعتباره نطاقاً لحرية التعبير يتألف من «منتديات ديمقراطية واسعة»، مثلما قال القاضي أنتوني كنيدي قريبًا، ما يعني أن الحكومة الفيدرالية والولايات ليس بإمكانها فعل الكثير لتنظيم ما يقال في هذه المساحة، التي يطلق عليها الإنترنت.
في الوقت ذاته، فإن السبل التي نستخدمها للوصول إلى مثل هذه المنتديات الواسعة، مثل محركات البحث مثل «غوغل» أو شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، يجري التعامل معها في ظل القانون الأميركي، باعتبارها كيانات خاصة تتمتع بحقوق حرية تعبير خاصة بها. ويعني ذلك أن «غوغل» و«فيسبوك» بمقدورهما صياغة شكل المحتوى كيفما يحلو لهما، بحيث لا تخضعان في ذلك سوى لضغوط السوق، مع حماية التعديل الأول لحقهما في القيام بذلك.
وفي تناقض حاد للنموذج الأميركي، نجد التوجه الذي يمثله القرار الكندي، وكذلك القوانين الأوروبية. تبعًا لوجهة النظر تلك، فإنه يحق للحكومات تنظيم ما يجري على صعيد الإنترنت من أجل حماية مواطنيها تبعًا لما يتوافق مع قوانينها.
تتضمن هذه القوانين العديد من إجراءات الحظر على خطاب الكراهية، وفرض قوانين الخصوصية. ومن المهم أن نتذكر في هذا السياق أن الولايات المتحدة تأخذ مفهوم حرية التعبير بصورة لا تخضع لأية قيود على نحو تعتبره غالبية الدول ـ بما فيها الدول الحرة ـ خاطئة، بل ومضللة.
داخل كندا، وفي إطار قضية «غوغل» ضد «إكوتسك»، شركة تكنولوجية في كولومبيا البريطانية، حاولت الأخيرة منع شركة أخرى من إعادة بيع محتوى يخصها يتعلق بالملكية الفكرية تعرض للسرقة، من خلال مواقع إلكترونية تقع على حواسب خادمة في مواقع مجهولة.
من ناحيتها، أبدت «غوغل» استعدادها لحذف نتائج البحث داخل كندا، لكنها اعترضت على تحولها إلى أداة تسعى المحكمة الكندية من خلالها إلى فرض أوامرها بمختلف أرجاء العالم. وقالت إنه من الممكن أن تكون الشركة الضحية لم تحصل على تصريح في دول أخرى، وأن حذف نتائج البحث ربما يشكل انتهاكاً من جانب «غوغل» لقوانين دول أخرى.
وأشارت «غوغل» إلى مصطلح بالغ الحساسية في القانون الدولي بقولها إن الأمر واجب التنفيذ عالميًا ينتهك مبدأ «المجاملة القضائية»ـ في إشارة لفكرة أن المحكمة في دولة ما ينبغي ألا تتدخل في قوانين دول أخرى. وبالنسبة للمحامين المعنيين بالقانون الدولي، يعتبر اختراق مبدأ «المجاملة القضائية» من الأمور الخطيرة يثير في الأذهان صورة ولايات قضائية متناحرة تخوض معارك قانونية عبر الحدود.
إلا أن هذا لا ينطبق على دول أخرى، ذلك أن القانون الألماني المقترح لن ينجح إذا ما قيد ما يمكن البحث عنه فقط في «غوغل الألماني»، وإنما يتعين أن يكون تنظيم الإنترنت عالميًا كي ينجح.
ويمهد ذلك الساحة أمام صراعات في المستقبل بين الدول الراغبة في تنظيم الإنترنت بفاعلية داخل حدودها والأخرى، مثل الولايات المتحدة، التي ترغب في الإبقاء على تدفق المعلومات بحرية دون تدخل حكومي.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»