ميشيل كيلو
رئيس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وهو ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق محلل سياسي وكاتب.
TT

فورد وسوريا!

في تصريحين يفصل بينهما أقل من شهر، قال السفير الأميركي لدى سوريا ومسؤول الملف السوري السابق في وزارة الخارجية الأميركية: إن سوريا ذاهبة إلى كانتونات متقاتلة سنيا وشيعيا، أو منخرطة في قتال سني/ شيعي واسع سيغطي المنطقة.
هذه النتيجة خلص إليها دبلوماسي له خبرة طويلة في مشكلات الشرق الأوسط عامة والعربي خاصة، تعلم العربية وعمل من موقع قيادي ومتقدم لتحقيق سياسات واشنطن في بلدان عربية كثيرة، أهمها العراق وسوريا، وواكب المعضلة السورية منذ بداياتها وحتى لحظتها الراهنة، وانهمك في حوارات يومية مع مختلف التيارات والأحزاب والشخصيات السورية والعربية، ولم يترك أحدا إلا وقابله أو ناقشه، وبادر في حالات كثيرة إلى قول رأيه بصراحة حول ما يحب ويكره من أفكار وتصرفات وممارسات محاوريه، ودأب على إبلاغ واشنطن بما فعله أو سمعه، حتى إنه ليعتبر مسؤولا بدرجة جد جدية عما آلت إليه المعضلة السورية، التي بدأت كحراك يطالب بالحرية، وانتهت تحت إشراف العرب والعجم والعالم إلى شيء يشبه الفتنة، من غير المعقول أو المنطقي تبرئة أي طرف أو شخص شارك في تحولاتها مما وصلت إليه، ويناقض في شكله ومضمونه ما أراده شعب سوريا من ثورته، بينما يتفق مع جوانب من تشخيص روبرت فورد، الذي يبدو أنه أقام وجهة نظره عليه، وقد يكون فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير، إن صح اعتباره واحدا من الذين رسموا سياسات واشنطن السورية، التي قامت على: التقصير في دعم حراك الحرية، عندما كانت هناك طفرة هائلة فيه، والمبالغة في التخويف من الإرهاب والأصولية، حتى قبل أن يكون هناك إرهاب وأصولية.
لا أريد أن أنسب إلى روبرت فورد ما اقترفته المعارضة من أخطاء، لطالما انتقدتها قبل وخلال وبعد وقوعها، من دون أن أنكر نصيبي من المسؤولية عنها. لكنني أعتقد أن دوره في السياسة الأميركية كان مؤثرا وتصعب المبالغة فيه، وأخشى أنه لا يقول لنا اليوم تقديراته، بل استنتاجات المؤسسات السياسية والأمنية الأميركية حول ما سيؤول إليه الوضع السوري، لذلك يجب متابعة ما قاله بكامل الجدية، وعلى وفد الائتلاف الذاهب إلى واشنطن مناقشة ما قاله السفير السابق والاستعلام عن موقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية منه، فإن كانت استنتاجاته عامة يشاركه فيها أصحاب القرار، وجب استخلاص النتائج منها وبلورة مواقف تستبق ما قد يترتب عليها من كوارث. أما إذا كانت شخصية فيتم تجاوزها، بعد لفت نظر صاحبها إلى أثرها السلبي جدا على السوريين، الذين يعتقد قسم كبير منهم أن وطنهم سيبقى عصيا على التقسيم والاقتتال المذهبي، وأنهم سيبقونه بعيدا عن أي صراع سني/ شيعي، وسيعيدونه إلى الحرية كمسار رئيس لثورته، وكرهان لا ينوون التخلي عنه، بعد كل ما قدموه في سبيله من تضحيات، وأبدوه من مقاومة في وجه من يناهضونه من تنظيمات متطرفة أو تكفيرية.
ثمة داعٍ لقلق حقيقي من تصريحات روبرت فورد، فهو يعرف ما تريده الإدارة، وكان ضالعا في رسم وتنفيذ سياساتها، وقادرا على التنبؤ بمراميها. وهناك حاجة إلى التعامل بجدية كاملة معها. إلى هذا، سيكون من الخطأ أن تبقى محل تجاهل واستخفاف من الائتلاف، وأن نواجهها بالأوهام التي تطمئننا إلى أن أمورنا لن تذهب إلا إلى حيث نريد لها نحن أن تذهب، على غرار ما حدث في لقاء مع جون كيري، الذي حذر وفد الائتلاف إلى أميركا من أن تواجه حلب مصير حمص. كان ذلك في ذروة انتصارات المقاومة المسلحة ضد جيش النظام في حلب. عندما أبدى رئيس الائتلاف ثقته بالوضع، قال كيري: «تقديرات عسكريينا تقول بوجود علامات جدية حول وقوع تطورات سيئة في حلب، قد لا تكون قريبة لكنها أكيدة». بعد عودتنا ذكرت في مقالات كثيرة ما قاله كيري، واتصلت بالمعنيين وأخبرتهم به، من دون أن يأبه أحد للأمر. واليوم، نستطيع القول إن حلب كانت حتى قبل أسبوعين في خطر شديد، ومع أن أوضاعها تحسنت منذ ذلك التاريخ، فإن ما جرى البارحة ويجري اليوم يؤكد صحة تحذير كيري، ويلفت أنظارنا إلى ضرورة أخذ تصريحات فورد على محمل الجد، ويلزمنا برؤيتها في ضوء السياسات والمواقف الدولية المتغيرة، التي قد لا تكون اليوم مع تمزيق سوريا إلى كانتونات، لكنها قد تؤيد ذلك في يوم غير بعيد، وقد تنجح في تحقيقه، إن لم نعد العدة منذ اليوم لإحباطه ومنع وقوعه.
قال فورد كلاما خطير الدلالات يتحتم مواجهته بما يتناسب وخطورته من جدية. إلى أن يحدث ذلك، سيكون من الحكمة أن نضع في حسباننا احتمال وخطر تمزيق بلادنا إلى كانتونات، وانخراطها في حرب مذهبية توحي أشياء كثيرة بأن منطقتنا غدت اليوم مؤهلة لها أكثر من أية فترة سابقة، وأنها يمكن أن تندفع، أو تدفع، إليها!