جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الطبقية المطبقة في الجو

في كل مجتمع تجد طبقات عدة، وما هو متعارف عليه في العالم ثلاث طبقات: الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة.
وبسبب الأزمات الاقتصادية والحروب اختفت الطبقة المتوسطة في بعض البلدان، لتبقى هناك مجتمعات متساوية من ناحية الفقر، حيث لا يعرف الغنى طريقاً إليها.
الفقر مسألة صعبة، لا يفهمه إلا من عايشه، فالطبقة المتوسطة يمكن أن تتفهم حال هؤلاء الذين يثقل الجوع والعطش كاهلهم بالمقارنة مع الأثرياء. وسخرية القدر تجعل الفقراء يتعاملون مع فقرهم بتناغم لأن الفقر مثل العمى، فمن الأسهل أن يولد الإنسان كفيفاً على أن يتعرض لحادث ويفقد بصره بعد أن يكون قد شاهد مغريات الحياة وما تزخر به من جمال وألوان..
ولكن ما يحزن هو أن الطبقية لا تزال موجودة وبقوة، فحادثة الحريق التي شهدتها لندن أخيراً جعلت أهالي برج «غرينفيل» يذكّرون اللندنيين بالطبقية التي أصبحت من القضايا التي يتحاشى العالم التكلم فيها وعنها.
والطبقية ليست موجودة على الأرض فحسب، إنما هي موجودة في الجو أيضاً. فشركات الطيران تسعى حالياً إلى تقديم الأفضل، وذلك بسبب المنافسة الضارية فيما بينها. ولكننا نرى أن غالبية الشركات تتنافس على الأغنياء متناسية «الفقراء». وأقول هنا فقراء لأن تلك الشركات التي أقصدها تعامل مسافري الدرجة السياحية على أنهم فقراء، ويكون التركيز على مقاعد الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، فتستعين الشركات بأبرع الطهاة لتحضير طعام هاتين الدرجتين متناسية عدد الركاب الهائل في الدرجة السياحية الذي يتم التعامل معهم على أنهم قطيع غنم ولا يستحقون التواجد في المكان نفسه الذي يتواجد فيه الأغنياء والميسورون.
وللحق، يجب القول، إن هذا الشعور لا تجده على متن جميع الطائرات ولا يجوز التعميم. لأن هناك بعض شركات الطيران من بينها «ديلتا» و«إير فرانس» والطيران التركي والسويسري والسنغافوري، قامت بالتنبه لهذه المسألة وعملت ما بوسعها لتقدم الطعام على الدرجة السياحية بنفس مستوى طعام الدرجتين الأولى ودرجة رجال الأعمال.
العتب لا يقع فقط على شركات الطيران التي تطبق الطبقية في الجو، إنما على المسافرين في الدرجتين المرفهتين في الطائرة الذين يظنون أنفسهم أفضل من غيرهم، وينظرون إلى مسافري الدرجة السياحية على أنهم نكرة، وهذا الأمر نتلمسه بشكل كبير عندما يكون المسافرون من الجنسية العربية.
فعلى متن إحدى شركات الطيران العربية لا تتحرك مقاعد الدرجة السياحية، وهناك زرار وهمي لهذه المهمة التي لا يمكن أن تتم، لأن المسؤولين عن الشركة فكروا فقط بدرجة رجال الأعمال على متن طائراتهم وغاب عنهم ظهور المسافرين الأقل حظاً. وأكثر ما يضحكني على متن تلك الطائرة هو نداء مضيفة الطيران قبيل الهبوط: «الرجاء تجليس المقاعد». وهنا أسأل نفسي دائما:ً «ألم يخبر هذه المضيفة أحد بأن مقاعد طائرتها لا يمكن تحريكها؟».
أدرك أن سعر تذكرة السفر في درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى أغلى بكثير من ثمن تذكرة في الدرجة السياحية، فالمسافر يدفع ثمن الخدمة وجودة الطعام والراحة التي يؤمّنها مقعد وثير يتحول إلى سرير. وهذا أمر بديهي ولا أعترض عليه، ولكن اعتراضي هو على طريقة تعامل بعض العاملين على الطائرات العربية على وجه الخصوص مع المسافرين وتصنيفهم بحسب التذكرة. ولا ينتهي الأمر هنا، لأن الدرجة السياحية هي أيضا مقسمة إلى «فقراء جدا وفقراء متوسطين وفقراء معدومين». وهذا الأمر تتنبهون إليه عند إجراء الحجز.
المال وجد لتسهيل حياتنا، لكن العتب على حامليه من الذين لا يملكون «رخصة الغنى»، ففي أيامنا هذه يتوجب على الميسورين أن يحملوا تصريحاً وإذناً لاستخدام المال الذي ثبت أنه لا يليق بأي كان.