د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تكاتف كوني لاستئصال الإرهاب

الإرهاب اليوم في كل مكان، تنوع في أوجه الضربات بين تفخيخ وتفجير وانتحار وطعن وذبح بالسكاكين ودهس وسحل بالعربات هنا وهناك، ضربات متعددة في لندن ومانشستر وأخريات في بغداد وبلجيكا وألمانيا وهولندا والكثير منها في بنغازي وبعضها في وسط باريس، ونزفت الدماء في قاهرة المعز في أكثر من تفجير استهدف رموز الدولة من قضاة ورجال شرطة وجيش، ولم تسلم أرض النبوة والحرم منها في أكثر من مرة، تفجير المدينة المنورة وقت أذان صلاة المغرب، المدينة التي قال الرسول عنها «المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث.. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
ضربات الإرهاب الغادرة كثيرة ومتعددة ومتنوعة في العدد والحجم ونوع الضحايا، فمن قتل في باريس كان شرطياً مسلماً يدافع عن ضحايا باريس من آخر متطرف تلبّس بمفهوم خاطئ للدين، ليؤكد أنه ليس حكراً على دين أو طائفة أو مكان يمكن أن يكون موطناً افتراضياً له، فالإرهاب لا موطن ولا دين له، ولكن تحكمه ظروف وأسباب ومسببات وتقاطع مصالح يمكن استغلاله فيها، فالإرهاب أصبح اليوم بضاعة عالمية وليست محلية، ويمكن تدويره وتصديره واستخدامه، كسلاح للضغط على الدول لتمرير سياسات محددة، وذلك بالتساهل مع هذه الجماعات أو احتضانها.
في تسعينات القرن الماضي ضرب الإرهاب الكثير من الدول ومن بينها المملكة العربية السعودية فطال تفجير العليا مدينة الرياض عام 1995، واستهدف الحرس الوطني السعودي، وفي يونيو (حزيران) 1996 حدث انفجار مدينة الخبر الإرهابي الذي تسبب في مقتل 19 أميركيا.
وفي الجزائر كان الإرهاب أكثر دموية في أكثر من 700 مجزرة حدثت، حتى أصبحت القرى والبلدات تستيقظ كل صباح على مذبحة شكل، من قطع رؤوس وتهشيم أعضاء بالسكاكين والسيوف والفؤوس، لأطفال ونساء وشيوخ، أساليب مختلفة بين تفجير أو حاجز مزيف أو تذبيح لسكان قرية نائمة، تنوع فيها الضحايا بين مجازر الرايس وبن طلحة ومجزرة سيدي حماد ومجزرة بني مسوس، وجميعها كان فيها الضحايا بالمئات، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2007 حدث تفجيران انتحاريان باستخدام سيارتين مفخختين، الأول وسط الجزائر العاصمة قرب المحكمة الدستورية العليا وبعد بضع دقائق وقع الانفجار الثاني قرب مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أدى الانفجاران إلى سقوط ما لا يقل عن 50 قتيلاً، واستمرت العمليات الإرهابية وكبر حجم الضحايا حتى أصبحت الدولة في حالة حرب مع هذه الجماعات الضالة التي تنهج المنهج التكفيري، وتختبئ في كهوف الجبال، ولم يكن معلوما مصادر تمويلها ولا من يحركها.
الإرهابي تتفاوت الغرائز الدافعة لسلوكه بين البشر نتيجة البناء السيكولوجي للفرد، كالرغبة السادية في القتل ورؤية الدم، وغياب أو تغييب الثقافة ومصادرة المرجعية العلمية حقها في التفسير والفتوى حتى عمت فوضى الفتوى ونتج عنها جنوح أو غلو في فهم الدين مثل التأثر بتفسير النص الديني، وجعله في مقام النص في حرمة التخطئة، ومنها حالة التمرد والاستهانة بالقيم الدينية، مما قد يتسبب في حالة العنف دفاعا عن تلك القيم، ولعل ما ساعد على انتشار حالات الإرهاب هو دخول مناطق مضطربة أصلا مثل الشرق الأوسط في صراعات سياسية أقحمتها في مشروع توطين الفوضى «الخلاقة» التي تسمت بالربيع العربي، مما تسبب لاحقا في فراغ سياسي في دول كانت تصنف ديكتاتورية تحكمها قبضة أمنية إلى دول تعم بالفوضى وتوالد وتكاثر الميليشيات التي تمولها قطر كما حدث في ليبيا كنموذج لظاهرة الميليشيات المؤدلجة خاصة، والتي دفعها التعصب لمبدأ فكري أو ديني إلى اللجوء إلى استعمال العنف وممارسة الإرهاب للوصول إلى السلطة.
تفاقم ظاهرة الإرهاب ليس مسؤولا عنه فقط حالة الفراغ السياسي وغياب السلطة المركزية اللذين تسببا في ظهور حالات العنف وانتشار جماعات التكفير والغلو، بل حتى تكبر الدول العظمى وتتمكن من تعزيز نفوذها وسطوتها وهيمنتها على الدول الضعيفة، مما تسبب في ظهور العنف المضاد، وخاصة إذا كان الإرهاب ممنهجا بشكل سياسي. ولكن الأمور انفلت الآن ولا يستطيع إلا التكاتف الدولي إنهاء هذه المأساة الإنسانية التي تسببت به حكومات على رأسها حكومة قطر التي عاتت في أرض العرب فساداً ودماراً.