رجينا يوسف
صحافية لبنانية
TT

من قتل الفرح؟

خبر مؤلم خرج إلى الإعلام اللبناني منذ أيام، ضحيته امرأة من دولة عربية وأم لطفلين، فرح قصاب انتهت حياتها تحت مشرط جراح في مركز مختص بعمليات التجميل، فانهال الشارع اللبناني والعربي غضباً على هذا الطبيب الذي كان بالأمس القريب أهم جراح تجميل هللت له كثير من محطات التلفزة، وتسارعت إليه نساء كثيرات لتجميل ما أفسده الدهر.
كثرت مطالبات مساءلة الطبيب الذي ارتكب الجرم بحق امرأة رغبت في أن تزيل بعض الكيلوغرامات من جسدها أسوة بجميلات عالم الفن الشهيرات، عربيات كنّ أم أجنبيات، ممّن تصدّرت صورهن أغلفة المجلات، لترتسم في ذهن كل امرأة صورة مفبركة تحدّد مقاييس جمالها.
لست بصدد الدفاع عن أطباء التجميل، ولا رجمهم بالحجارة، وأنا واحدة من تلك النسوة اللاتي لا يرفضن فكرة الخضوع لعمليات تخفف من آثار الزمن عليهن، بيد أنني أوافق، وإن لم أكن منصفة برأيي، على أن مقولة «جلّ من لا يخطئ» لا تنطبق على الأطباء، فسهوة بسيطة من أحدهم قد تودي بروح إنسان، وأخطاؤهم مرفوضة. ولا لوم على إنسانة رغبت بتغيير ما، بل العتب يقع على هذا المجتمع الذي لم يتوان عن تحويل المرأة إلى نموذج يفرض عليها أن تكون بصورة وهيئة معينة، نحيفة ورشيقة، لا ترهل يكتسح جسدها ولا تجاعيد تجتاح وجهها ولا شعر أبيض يغزو رأسها، فحوّلها إلى عنصر ضعيف، على الرغم من تسلح كثيرات منهن بالعلم والثقافة، وتبوئهن أهم المراكز، فباتت وحدها تسعى لمحاربة سنوات العمر. حالة تستعر في جميع المجتمعات، عربية كانت أم أجنبية، فمن حدّد أن هذا النموذج الأنثوي الذي تطالب به المرأة هو المعيار الأساس والوحيد لجمالها؟
كان أفلاطون أول فيلسوف يوناني يهتم بتسجيل موقف من ظاهرة الجمال، وأشار في إحدى محاوراته  إلى أنّ موضوع الحب هو الجمال بالذات، وظهرت عبر العصور آراء ترى في كل حي جمالاً، وترفض فكرة القبح في أي مخلوق بشري، بل جعلت من الحب درباً لرؤية الجمال. لا أسرد تاريخاً أو فكراً فلسفياً يستطرد في شرح القيم الجمالية، ولا أناقش فلسفة أفلاطون في الجمال الكامل، ومحاكاته لعالم المثل للوصول به إلى الجمال الحسي والروحي. إنّما أردت أن أكتب باسم الأنثى داخلي، التي ولدت وترعرعت في عالم يسوق يومياً عبر وسائل إعلامه المرئية والمكتوبة لملامح تحدّد مقاييس جمال المرأة، وجهاً وجسداً، لتترسخ في عقولنا صورة المرأة النموذج، وتتحوّل الحالة مع مرور الزمن إلى آفة في دواخلنا، فلا تخلو جلسة نسائية من الحديث عن النحافة والسمنة، وعن الجمال والأناقة.
النهاية المأساوية لضحية المجتمع ليست الأولى في ملفات أطباء التجميل، محلياً وعالمياً، ولن تكون الأخيرة، فمن المؤسف أن تدفع امرأة حياتها من أجل لمسة جمال خارجي، في عوالم يطغى عليها المجتمع المتهم الأول بالجرم بقوانينه الصارمة في تحديد المفهوم الخاطئ لجمال المرأة.