رجينا يوسف
صحافية لبنانية

«ماما... انفجرت بيروت»

عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء. رحلوا بسلام بضحكاتهم وأحاديثهم، ورحلت معهم أحلامهم. في الحروب، كنّا نقيس المسافات وننتقي مناطق قد تكون أكثر أماناً، فنهرع مع بدء القصف من قرية إلى أخرى، تبعد عنا دقائق بالسيارة. يشتدّ القصف ليلاً ليخف ويتوقّف مع بزوغ الشمس. وبهو الكنيسة كان ملجأنا. الصلوات لن…

تأملات في ظلّ العزلة

لم تَعُد تستقبل زبائنها بابتسامتها المعهودة. توترها يزداد يوماً بعد يوم. وصل الوباء إلى بريطانيا وبدأ في الانتشار. فتحوّلت الأحاديث اليومية عن تقلبات الطقس المتعارف عليها إلى «تحليلات كورونية»؛ من نشأة الفيروس المستجدّ، إلى نظرية المؤامرة، واللامبالاة والاستخفاف به، وحال الهلع، وهجمة الناس على المتاجر للتموين، خوفاً من مستقبل مجهول. آراء كثيرة لأناس من مختلف الجنسيات والطّبقات الاجتماعية في هذه القهوة الصغيرة، المتكئة على حائط إلى جانب محطة قطار في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية لندن. أمرّ بها لشراء كوب القهوة الصباحي.

برج البؤس أنار لندن بـ«شموع بشرية»

لندن تكتسي ثوب الحداد، بعد أن عاود الموت مباغتتها خلسة بعمل إرهابي من نوع آخر لا يشبه ما حصل في مانشستر ولندن بريدج، بل جاء مقنّعا بنيران حارقة تظهر استهتارا بحياة الفقراء، ليقتحم سكينة عائلات تنام هانئة في منازل كان لا بدّ أن تكون المكان الأكثر أمانا لها، وليسرق بخسة أرواح أناس استسلموا غصبا للموت. في القرن الـ21 حدثٌ يهزّ واحدة من أهم وأغنى عواصم العالم، نيران تستعر ملتهمة مبنى سكنيا يتألف من 27 طابقا، حيث يقطن أجانب لجأوا إلى بريطانيا هربا من الحروب في بلدانهم بحثا عن بقعة أرض يعيشون فيها مع أولادهم بسلام. يلخبط الحزن الأفكار أحياناً، فتتولّد متسارعة متصارعة للتعبير عن غضب أو تعاطف مع حالة

من قتل الفرح؟

خبر مؤلم خرج إلى الإعلام اللبناني منذ أيام، ضحيته امرأة من دولة عربية وأم لطفلين، فرح قصاب انتهت حياتها تحت مشرط جراح في مركز مختص بعمليات التجميل، فانهال الشارع اللبناني والعربي غضباً على هذا الطبيب الذي كان بالأمس القريب أهم جراح تجميل هللت له كثير من محطات التلفزة، وتسارعت إليه نساء كثيرات لتجميل ما أفسده الدهر. كثرت مطالبات مساءلة الطبيب الذي ارتكب الجرم بحق امرأة رغبت في أن تزيل بعض الكيلوغرامات من جسدها أسوة بجميلات عالم الفن الشهيرات، عربيات كنّ أم أجنبيات، ممّن تصدّرت صورهن أغلفة المجلات، لترتسم في ذهن كل امرأة صورة مفبركة تحدّد مقاييس جمالها. لست بصدد الدفاع عن أطباء التجميل، ولا رجمه

لبنان بين الواقع والأحلام

جاء اليوم الأول من أبريل (نيسان) ، ليفجر الشارع اللبناني، بمناسبة نشر صحيفة «الشرق الأوسط» في كاريكاتير لها، صورة للعلم اللبناني كتب على جذع شجرة الأرز، رمز لبنان «دولة لبنان»، وفي أعلى الرسم كتبت «كذبة نيسان». فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي مثيرة غضب الكثيرين. لا أنكر أنني كنت واحدة من الذين اعتبروا الرسم غير منصف بحق لبنان؛ ولكن وبعيدًا عن المشاعر الوطنية، لم أجده مجحفًا بحق الوضع الحالي الذي يمرّ به البلد، وهو وضع يشكو منه الجميع. كما لا أنكر أنّ العصبية الوطنية غالبًا ما تسبق حكم العقل والمنطق، فيسيطر الغضب على المستاء من الحدث وتصدر عنه ردود فعل انفعالية.

لبنان.. حلم بناء وطن

نسمات من رائحة التفاح وأصوات خطوات على أدراج خشبية وثلوج وبرد شديد، هذا كل ما أذكره من ألمانيا، حتّى إنني لا أذكر اسم المكان الذي كنّا نعيش فيه. ذاكرة بالأبيض والأسود لطفلة صغيرة تتخبطها خيالات بين دموع وقبلات ودعاءات وحركات على عجل. لم أفقه يومها ماذا كان يحدث عند مدخل بيت جدتي الكائن في مدينة بيروت الشرقية. أطلق عليها هذا الاسم لأن اللبنانيين حينما عجزوا عن أن يتشاركوا هذه العاصمة الصغيرة، بدياناتهم المتنوعة وأحزابهم الكثيرة، شرخوها إلى قسمين، شرقية وغربية. وفي عام 1978 عدنا من ألمانيا، ووجدت نفسي في بيت جدتي، وكما الوداع كان اللقاء.

زمرة من الإرهابيين

بدأ الفيلم بآخر مشهد من القصة، احترق البطل المسجون داخل قفص حديدي كبير، كان يعلم أن لا مفرّ له من هذا المصير الذي فرضه عليه زمرة من الإرهابيين، فاتقن دوره. وانتشر بعدها الفيلم القصير الذي بدأ بشعلة نار وانتهى بحريق كبير ليشعل قلوب مّن يحملون ذرة ضمير في هذا الجسد الآدمي. بعد أيام تطوى صفحة الطيار معاذ الكساسبة، كما طويت صفحات أبطال كثيرين ممن ضحوا بحياتهم لأجل أوطانهم؛ ويبقى الألم خنجرا يحفر في صدور من عايشوه وأقرب المقربين إليه.

«الصبي السوري البطل»

كان الصبي مُلقى على الأرض بقرب مبنى أنهكته الحرب فانهارت بعض أجزائه أكواما من الأنقاض... خرج منذ أيام إلى المشاهدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي شريط فيديو مسجل، يظهر صبيا سوريا يتحدى رصاص القناصة بجسمه النحيل، وهو يحاول مساعدة فتاة صغيرة، يتعثر ويقع أرضا، ثمّ يعود لينهض بعد ثوانٍ ويكمل طريقه من أجل إنقاذها. تناولت صحف عربية وأجنبية عدة، التصوير وعنونته «الصبي السوري البطل»، كما نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية الخبر مرفقا بالصور والفيديو.

مزحة لا عنوان لها

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أخيرا، تسجيلات تظهر عناصر من "داعش" يقطعون رؤوس كثيرين ممن وقعوا في أسرهم. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة التي اجتاحت أحاديثنا اليومية، ولم يجرؤ كثيرون على مشاهدتها، وأنا واحدة منهم، لاقت استنكارا واشمئزازا كبيرين. الا أنّ بعضهم استهوته الفكرة واستوحى منها مزحة يلاعب بها أطفالا. والمؤلم أن يظهر لك فجأة تصوير، ربما كان من باب السخرية أو المداعبة الفجّة، وينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لرجل لبناني يصور ثلاثة أطفال قيل إنّهم من الجالية السورية، ويهدّدهم بقطع رؤوسهم ويسأل بمن ينفّذ حكم الذبح أولا.

أطفال غزة.. لوحة مأساة بريشة إسرائيلية

بعيدا عن المواقف والتحليلات السياسية، ومن صلب الحالة الانسانية من قلب غزّة وصرخات أطفاله، ومن وجع سوريا وظلم حكامها، من الإجرام الذي يجتاح مناطق ومدن العراق، ومن ليبيا واليمن وتفجيرات لبنان، أين الضمير البشري وأي حقوق انسانية لطفل أو لامرأة بعد الحربين العالميتين؟ سؤال لا بدّ ان يستثير كل إنسان ما زال ضميره حيّا. لماذا ليس لوجع الانسان العربي ولشعوب الدول الفقيرة المقموعة قيمة؟ منذ ثلاثة أسابيع وصواريخ اسرائيل تمطر أطفال غزة وتضيء عتمة فضائها الحزين.