رجينا يوسف
صحافية لبنانية
TT

أطفال غزة.. لوحة مأساة بريشة إسرائيلية

بعيدا عن المواقف والتحليلات السياسية، ومن صلب الحالة الانسانية من قلب غزّة وصرخات أطفاله، ومن وجع سوريا وظلم حكامها، من الإجرام الذي يجتاح مناطق ومدن العراق، ومن ليبيا واليمن وتفجيرات لبنان، أين الضمير البشري وأي حقوق انسانية لطفل أو لامرأة بعد الحربين العالميتين؟
سؤال لا بدّ ان يستثير كل إنسان ما زال ضميره حيّا. لماذا ليس لوجع الانسان العربي ولشعوب الدول الفقيرة المقموعة قيمة؟
منذ ثلاثة أسابيع وصواريخ اسرائيل تمطر أطفال غزة وتضيء عتمة فضائها الحزين. لم تتوقف إلا لساعات خمس بحجة الهدنة الانسانية التي أتفق عليها.
أما سوريا فبلد من نوع آخر لا هدنة للشعب، والمعارك المستمرة منذ ثلاث سنوات تواكب أحدث وأعنف أساليب القتال. الحال تقريبا واحد ما بين الدول العربية الأخرى ولكل منها ميزة مختلفة، والأفضل حظا من بقي على قيد الحياة مستمتعا بهوائها ولو ليوم أو أكثر، وكأن الموت أصبح في بلداننا أكثر تفننا.
في غزة كانت "الهدنة الانسانية" - ويا لها من تسمية لطيفة ومشوقة - إذ جاءت لتقول لنساء وأطفال غزة: تنشقوا هواء الحياة لساعات واستعدوا بعد ذلك للرحيل الى الجحيم أو الى المجهول بإعاقات تحيي ذكرى آلامكم الى الأبد، ليس فقط بصواريخنا، بل ايضا بمدافعنا. لأننا سنشن عليكم هجوما بريّا ليس للقضاء على حماس، بل للتخلص من الأنفاق داخل القطاع. والمضحك المبكي أنهم يأسفون لسقوط ضحايا مدنيين. ولكن ما العمل؟ فأمن المواطن الاسرائيلي أهم من نفحة حياة طفل غزّاوي.
ومن جهّته يصرّح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنّ بلاده "تدعم حق اسرائيل بالدفاع عن النفس"، ولكنه قلق إزاء مخاطر تصاعد العنف وفقدان المزيد من الأرواح البريئة. تناقض غريب! فكيف ستدافع إسرائيل عن حقها وهي لا تعرف سوى لغة القتل والدمار؟ وكيف ستتجنب صواريخها العشوائية الأبرياء؟
وكما جاء في البدء، المسألة ليست سياسية، بل إنسانية بحتة؛ فملايين شعوب العالم نزلت الى الشوارع احتجاجا على الجرائم، كما اعتقل العديد منهم بتهمة الشغب وإشاعة الفوضى في البلاد. ولكن شيئا لم يتغير، وبقي سخط الشعوب محدودا وخجولا وكأن العجز سيد المواقف.
وبعد الحصار كان الدمار وتخطى عدد القتلى الفلسطينيين 678 والجرحى الآلاف. وماذا بعد؟ هل سيعود طفل من تحت التراب الى حضن أمه؟ أم سيستيقظ آخر على صوت حنون يناديه صباحا؟
كم سرقت هذه الاسابيع الثلاثة من حياة أهل غزّة، وكم عمّقت أوجاعا في قلوب باتت مليئة بالحسرة والانتقام.
الحسرة على ما تبثه يوميا شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو تضع المتابع في قلب الحدث، ليعايش فظاعة الحياة وليعصره الألم والعجز معا.