رجينا يوسف
صحافية لبنانية
TT

مزحة لا عنوان لها

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أخيرا، تسجيلات تظهر عناصر من "داعش" يقطعون رؤوس كثيرين ممن وقعوا في أسرهم. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة التي اجتاحت أحاديثنا اليومية، ولم يجرؤ كثيرون على مشاهدتها، وأنا واحدة منهم، لاقت استنكارا واشمئزازا كبيرين. الا أنّ بعضهم استهوته الفكرة واستوحى منها مزحة يلاعب بها أطفالا.
والمؤلم أن يظهر لك فجأة تصوير، ربما كان من باب السخرية أو المداعبة الفجّة، وينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لرجل لبناني يصور ثلاثة أطفال قيل إنّهم من الجالية السورية، ويهدّدهم بقطع رؤوسهم ويسأل بمن ينفّذ حكم الذبح أولا.
لم يُظهر الرجل وجهه في التصوير، بل كان سكينه بطل الشاشة، يهدد به أطفالا يرتجفون رعبا من الموت.
وعند انتشار الفيديو سارعت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبناني– شعبة العلاقات العامة، الى التحري والاستقصاء، وألقت القبض على الرجل الذي اتضح أنّه كان يراقب الأطفال بحكم الجيرة، وذلك بطلب من والدتهم، لحين عودتها من العمل. وحسبما أفادت المديرية العامة، فإن الأم وعند عودتها كان التصوير مازال في خضمّه، فنال إعجابها وطلبت من الجار إرساله الى هاتفها الجوال.
أمّا الرجل وللأمانة، فكانت نواياه صافية وكان يعاقب الأطفال حسبما قال، وتطور العقاب الى مزحة أعجبته. وما الغريب بذلك؟ أولم يكن آباؤنا يمازحوننا ونحن صغار "بأبو كيس"؟. وما الفرق بين "أبو كيس" وقاطع الرؤوس؟ فكلاهما يدبان الخوف بالقلوب.
زمن"أبو كيس" كان يرعب الصغار ويضحك الكبار كما أرعب التهديد بقطع الرؤوس، الأطفال وأضحك الأم والجار. والسؤال ألا يعتبر هذا التصرف خرقا وانتهاكا ليس لحقوق الأطفال القانونية وحسب، بل تشويها مقززا لنفوسهم؟
نحن اليوم في القرن الـ 21 زمن "الإرهاب" الذي جسّده الواقع بظهور "داعش" و"قطع الرؤوس"، فتغيّرت اللعبة وتطورت الى الأسوأ لتماشي العصر. ولكن أليس هنالك من خوف إن طالت هذه اللعبة؟ وكيف سينشأ جيل أطفال في زمن "داعش" التي ألهمت الكبار بخيال إجرامي فما بالك بالصغار؟
لفتت هذه اللعبة المعاصرة، ومن دون التعليق على الطريقة التي روّج لها الإعلام للتسجيل والعناوين الطائفية والعنصرية وردات فعلها على أرض باتت عطشى تمتص كل ما يشاع، انتباهي بصفتي أمًّا، كما لفتني رد فعل الوالدة لدى مشاهدة أطفالها يبكون خائفين من التهديد، وعوضا عن حمايتهم والدفاع عنهم بغريزة الأم التي نتغنى بها، كان موقفها صادما بتقبلها للفكرة بل وبسعيها للاحتفاظ بالتصوير على هاتفها الخلوي لتشاهده مرّة واثنتين وثلاثا وتتناقله مع الأصدقاء والأحباء. فكيف لدموعهم أن تتحول مزحة تضحكها؟ وهي التي يجب أن تبكي على دموع فرحهم.
غريبة هذه الأمومة، وغريب هذا الإنسان الذي يخيف أطفالا لمجرد التسلية؟ وغريبة هذه "المزحة القاتلة" التي لم أستطع أن ادرجها تحت مسمى، فبقيت مزحة بلا عنوان.